الجموع تنتشر في المسجد الحرام في آخر مساء من رمضان تدعو وتبتهل إلى الله .. كل فرد يتمتم والأضواء الداخلية للنفس يمكن استشعارها في مناخ نوراني رغم الزحام ولكن المكان يتسع ويتسع.. والحدة التي قد تولدها عملية البحث عن مكان للجلوس سرعان ما تختفي وتمتمات من آخرين بأن الضيق في الصدور!!
هذا المكان كم هو عجيب ومذهل في نورانيته يحوي مختلف الأصوات والملامح واللغات والألوان والأعمار ويصطف الجميع في صفوف متراصة للصلاة وقبل الإفطار والمشهد مثير كم هي النفس الإيمانية راقية في نداءاتها للخالق.. وهي تدعو وتدعو والدموع تنساب من عيون العابدين والمعتكفين والطائفين والركع السجود..
بعد الإفطار في آخر مساء كان هناك القلق من عدم اكمال الصيام لليوم الثلاثين من الشهر.. وعندما حملت رسائل الجوال تأكيد العيد كان هناك خوف في عيون البعض حزناً لفراق رمضان وليس حزناً لاستقبال عيد الفطر.. وأيضاً كانت هناك تيارات دافئة يستشعرها ذلك المؤمن المتفرد في عبادته وهو يشعر أن فراقه لشهر رمضان سيستمر أحد عشر شهراً إن كتبت له حياة.. بكت إحداهن لأن إحدى قريباتها ودعت الدنيا آخر مساء لهذا الشهر.
قالت أخرى: ذكر أن إحدى المصليات هنا توفيت ونقلت من هنا إلى المستشفى ثم إلى المقبرة.. تحولت ليلة العيد إلى استحضار لحالات وفاة العديدين من الذين جاؤوا للعمرة ولقضاء شهر الصوم أو جزء منه هنا في مكة ولم يعودوا إلى منازلهم ولا إلى ديارهم..
قالت أخرى: فقدت حقيبة يدي البارحة وفيها جواز سفري ونقودي من جزعي على وفاة تلك السيدة لم أحزن لفقد أوراقي ونقودي قلت ذهب العمر فهل أجزع لفقد جواز سفر للدنيا وليس للآخرة..
@@ جاء طفل صغير وفرحة العيد في ابتسامته احتضن والدته وتغير المناخ إلى استبشار بالعيد وبقايا حزن في عيون البعض من فراق رمضان.
انتهت صلاة العشاء وتأكد أنه عيد الفطر وليس اكتمال شهر رمضان.. بدأت عبارات التهاني ومعها عبارات الوداع واختلطت الأصوات واللهجات واللغات القاسم المشترك كان اليقين في حب الله والرجاء في مغفرته والأمل في قبول القيام والصيام..
وبعد قليل ضجت أصوات عمال النظافة يحثون النساء على القيام من المواقع كي يتم غسلها وتهيئتها للعيد.. تحرك البعض ببطء والبعض بسرعة ونداءات العمال تتكرر: حجة حجة قومي!!
@@ من بعيد اقبلت ماما عيشة حزينة تلمع في عينيها الملونتين دموع حزن على فراق رمضان .. ودعتنا على أمل اللقاء العام القادم في رمضان قادم إذا كُتب لها عمر.. تحركت الجموع إلى خارج المسجد رجالاً ونساء وعبارات التهاني تتردد حتى حراس الأبواب خفت حدتهم المعهودة كل مساء وبدأت عباراتهم تلين تودع المعتمرين وترجو لقاءهم رمضان القادم إن شاء الله..
حركة الجموع دائرية ولولبية أحياناً.. أجمل ما فيها ذلك التناسق رغم ازدحام المكان وضجيج عمال النظافة.. وبقايا متناثرة من زجاجات اللبن أو العصير أو جوالين ماء زمزم.،
@@ وإلى رمضان القادم لا بد من إعادة النظر في تكييف التوسعة جميعها ووضع لوحات إرشاد للأبواب داخل الحرم وليس خارجه فقط ولا بد من إعادة النظر في توزيع الأماكن بين النساء والرجال بشكل عادل.. وأيضاً إعادة النظر مرات ومرات في توفير دورات مياه خارج المسجد بما يتناسب وعدد المعتمرين .. وكل رمضان والجميع بخير.
التعليقات