حظيت مبادرة صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود ـ حفظه الله ـ حول إحلال السلام بين العرب وإسرائيل باهتمام عالمي وعربي كبيرين بل إنها ردت الاعتبار للعرب والمسلمين المقيمين في دول الغرب ومنها الولايات المتحدة بعد تأثرهم معنوياً ومادياً بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر عندما اتهم بعض العرب بمسئوليتهم عن تلك الأحداث.

إلا أن هذه المبادرة وكأي عمل ناجح واجهت بعض التردد من بعض ذوي القربى، فهناك من يرى أنها أغفلت حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة لديارهم والبعض الآخر يرى أن المملكة انفردت بهذه المبادرة ولم تشاور فيها أحداً وهناك من يرى أنها تتضمن قيام المملكة بالتطبيع مع إسرائيل وهو لديهم من المحرمات، وهناك من رأى أنها حملة إعلامية تهدف إلى تحسين صورة المملكة في الخارج وبالذات في الولايات المتحدة على خلفية أحداث سبتمبر وذلك لأنه يوجد من ضمن المتهمين بخطف الطائرات التي فجرت مركز التجارة في نيويورك ومبنى وزارة الدفاع في واشنطن خمسة عشر من السعوديين إضافة إلى أنه يوجد من ضمن المعتقلين في كوبا حوالي مائة من السعوديين.

والذي يمكن قوله أن هذه المبادرة عندما ظهرت كأفكار لم تغفل حق العودة للاجئين لكونها جاءت بعنوان رئيسي وأساسي وهو (التطبيع مقابل الانسحاب الشامل) فإذا تحقق هذا الأساس فإن البقية تعتبر فروعاً له وهي تتحقق تبعاً، كما أن المملكة لم تنفرد بهذه المبادرة بدليل أن سمو ولي العهد عرض هذه المبادرة على مؤتمر القمة في لبنان لكي تكون مبادرة عربية، وهو ما حصل بالفعل حيث أجمع القادة العرب عليها بعد أن قدمت بصيغتها النهائية، وأما عن كون المبادرة ستؤدي لاعتراف المملكة بإسرائيل فإن المملكة وحسب المبادرة لن تعترف بإسرائيل أو تتعامل معها سياسياً أو تجارياً إلا بعد أن تقوم بإعادة جميع الحقوق العربية ومن ذلك الانسحاب الشامل بما فيه الانسحاب من القدس الشرقية وإعادة المقدسات الإسلامية لإشراف المسلمين، إذاً فهو تطبيع بثمن غالٍ وليس بالمجان وهو أمر لا يتعارض مع تعاليم ومبادئ الإسلام {فإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله} والرسول صلى الله عليه وسلم صالح المشركين حين منعوه من التوجه لمكة المكرمة للحج على أساس العودة للمدينة المنورة والتوجه لمكة المكرمة العام التالي بما يعرف بصلح الحديبية، كما أن المبادرة ليست حملة إعلامية من أجل تحسين صورة المملكة والسبب أنها ليست حملة إعلامية أو وسيلة علاقات عامة يعود للآتي:

@ إن سمو ولي العهد معروف بمواقفه القومية والإسلامية ومناصرته لقضايا العرب والمسلمين ومنها القضية الفلسطينية قبل أحداث سبتمبر.

@ إن سمو ولي العهد امتنع عن زيارة الولايات المتحدة بعد تولي الرئيس الحالي لعدم تفاعل ادارته مع القضية الفلسطينية، وسوف تتم هذه الزيارة قريباً بعد أن بدأ هذا الموقف يتغير نحو الأفضل.

@ إن الاعتراف بضرورة قيام الدولة الفلسطينية الذي أعلنه الرئيس الأمريكي الحالي لأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة بعد أحداث سبتمبر كان بسبب الجهود التي بذلها سمو ولي العهد في هذا المجال بل إنه قيل أن هذا الاعتراف كان مقرراً قبل الأحداث وكانت الولايات المتحدة تنوي إعلانه في مؤتمر الأمم المتحدة السنوي الذي كان موعده بعد تلك الأحداث.

وبعد فإن هذه المبادرة بعد أن اعتمدت من قادة العالم العربي أصبحت مبادرة عربية وسوف تقدم للعالم وفقاً لذلك حيث ستكشف إسرائيل ومن يقف وراءها في حالة رفضهم لها بأنهم لا يريدون السلام فعلاً، خاصة وأن منبع هذه المبادرة دولة عربية إسلامية لها مكانتها الإقليمية والدولية وذات نفوذ في العالم الغربي.

هذا والله ولي التوفيق.