تقوم كثير من الأجهزة الإدارية بطلب تمديد الخدمة أو التعاقد مع بعض المتقاعدين لديها فقد حددت أنظمة الموظفين عبر مراحلها ومنذ صدور أول نظام سنة 1350هـ حتى نظـام الخدمة المدنية الحالي الصادر سنة 1397هـ، السن التي يجب إحالة الموظف عندها للتقاعد (60) سنة، وقد صاحب ذلك أيضاً إجازة مبدأ تمديد الخدمة لمدة أو لمدد لا تزيد عن بلوغ الموظف سن (65) سنة من قبل مجلس الوزراء في البداية ثم أعطيت الصلاحية للوزير المختص، ثم لمجلس الخدمة المدنية.
وإلى جانب مبدأ تمديد الخدمة للموظف المتقاعد وجد أيضاً مبدأ التعاقد مع المتقاعد بمكافأة تعادل الفرق بين آخر راتب كان المتقاعد يتقاضاه والمعاش التقاعدي المقرر بعد إحالته للتقاعد، وكان مبدأ التعاقد مع المتقاعدين قد وجد بداية سنة 1393هـ . عندما صدرت موافقة مجلس الوزراء على ذلك وكلف ديوان الموظفين العام آنذاك بتحديد الضوابط الخاصة بذلك. ومع مرور هذه السنين الطويلة على إقرار مبدأي تمديد الخدمة والتعاقد مع المتقاعدين لا يزال العمل بهما مستمراً بل إن المقابل المادي لمن يتم التعاقد معه من المتقاعدين قد تمت زيادته مما قد يغري الكثير من المتقاعدين للمطالبة بالتعاقد بعد تقاعدهم. لقد كان سبب إجازة مبدأ تمديد الخدمة أو التعاقد مع الموظف المتقاعد عند بداية العمل بهما هو حاجة الجهاز الحكومي لذوي الخبرات أو التأهيل في ذلك الوقت، ولكن بعد مرور ما يزيد عن (30) سنة على إقرار مبدأي التمديد والتعاقد مع المتقاعدين، هل لا تزال الحاجة قائمة لهما، خاصة مع تزايد خريجي الجامعات والمعاهد والكليات المتخصصة وعودة الكثيرين من المبتعثين للدراسة والتدريب بالخارج إذ أنه من المعلوم أن التعاقد أو تمديد خدمة المتقاعد (إذا كان هناك بالفعل حاجة لذلك) سوف يؤثر سلباً سواء على القائمين على رأس العمل أو الخريجين الجدد فكيف إذا لم يكن حاجة لذلك فمثلاً إحالة الموظف الذي يشغل المرتبة (15) للتقاعد سوف تؤدي إلى تحريك وضع (14) موظفاً قبله عن طريق الترقية كما ستؤدي إلى شغور الوظائف المناسبة لتعيين الخريجين، وإحالة الموظف الذي يشغل المرتبة الرابعة عشرة للتقاعد سوف يؤدي إلى تحريك وضع (13) موظفاً بالترقية أو التعيين وهكذا. إن القواعد التنظيمية التي نظمت شؤون التقاعد أو التمديد للمتقاعدين لم يكن هدفها التوسع في هذا المجال بل إنها وضعت من القيود والضوابط التي تهدف إلى حصره في حالات الضرورة كندرة مؤهل المتقاعد، أو عدم وجود بديل مناسب له ونحو ذلك مما يخرج كثيراً من شاغلي الوظائف من مبدأ التعاقد أو التمديد وبالذات في الوظائف الإدارية والكتابية وما شابهها إذ لا ندرة في مؤهلات شاغليها حتى ولو كانت الجامعية وما فوقها، ذلك لأن البديل المناسب لشاغلها بعد التقاعد متوفر بالعشرات بل قد يكون بالمئات، وينبغي فتح الفرصة لهؤلاء من أجل ترقيتهم على تلك الوظائف من ناحية، ومن باب التجديد والتطوير لإدارة أعمال تلك الوظائف من ناحية أخرى إضافة إلى ما يترتب على ذلك من شغور العديد من الوظائف المناسبة للخريجين الجدد.
إن التمديد والتعاقد مع المتقاعدين يشاهد اليوم على وظائف عادية يوجد العديد من البدلاء لشغلها، بل إن التعاقد معهم يوجد على وظائف البنود والأجور المؤقتة وهذا بلا شك يتعارض مع التوجه الذي أوردته قواعد التقاعد والتمديد للمتقاعدين.
إن وظائف البنود والأجور المؤقتة كالوظائف الثابتة تعتبر فرصاً لتعيين الخريجين الجدد وأن القيام بشغلها بالمتقاعدين انطلاقاً من صلاحية الجهة الإدارية في شغل هذه الوظائف سوف يضع تلك الفرص ممن يتهيأ لخدمة بلاده ومواطنيه. من خريجي الجامعات وسواهم.
إنه سبق أن أشرنا في مقالة سابقة أن أمام المتقاعد فرصاً ذهبية متعددة للعمل في القطاع الخاص إذا كان يرغب في مواصلة العمل وسوف يستفيد مادياً بما يزيد عن راتب التعاقد أو التمديد، وسوف يفيد وطنه في مساهمته في سعودة وظائف ذلك القطاع بدلاً من الإلحاح على مسؤولي جهة عمله بطلب التمديد أو التعاقد.
إن تحسين وضع الموظفين ممن لم يبلغ سن التقاعد بالترقية على وظائف المتقاعدين أمر مطلوب وأن العمل على إيجاد فرص لتوظيف الخريجين يعتبر قضية وطنية ليست مسؤولية جهة معينة فقط بل مسؤولية الجميع وعلى المعنيين بذل الجهد في سبيل دعمها وتسهيلها ومن ذلك الحد من ظاهرة التعاقد والتمديد للمتقاعدين وقصره على الحالات التي حددتها قواعد وضوابط التعاقد أو التمديد للمتقاعدين..
التعليقات