تقع منطقة حسمى إلى الغرب من مدينة تبوك التي تُعدُّ جبالها امتداداً لجبال السروات من غرب تبوك حتى وادي رم بالأردن ومن أشهرها بجدة والزيتة وعلقان، اورد ذكرها أكثر من أربعين مؤرخاً وقال عنها المتنبي: يعرفها من رأها من حيث رأها.. لأنه لا مثيل لها في الدنيا (وكان قد مر بها)..

ولجمال الطبيعة الصحراوية فيها وروعة جبالها الشاهقة التي تحتضنها كثبان وردية كانت سبباً في إلهام الشعراء واستثارة قرائحهم الشعرية وقد تغنى بها الكثير الشعراء.. في العصر الجاهلي.. والعصر الإسلامي منهم النابغة وأبو المهند الفزاري وعنترة العبسي وغيرهم..

يقول صاحب كتاب "مدائن صالح.. تلك الاعجوبة": "من تسلق أعلى نخلة في تبوك يرى جبل (حسمى) وكذلك المتسلق لأعلى شجرة في (العلا) أو المتسنم لأعلى ذروة في (وادي القرى) يرى (حسمى).. وقد مررنا به في رحلتنا ولكننا لم نستطع تسلقه..

والملاحظة الواضحة هي كثرة ذكر الشعراء لحسمى خصوصاً شعراء (الحب العذري) مثل (كثير عزة) و(جميل بثينة)..

فهذا (جميل بثينة) يقول:

الا قد أرى إلا بثينة للقلب

بوادي بدا لا "بحسمى" ولا الشعب

ويقول (كثير عزة):

سيأتي أمير المؤمنين ودونه

جماهير حسمى قورها وحزونها

تجاوب اصدائي بكل قصيدة

من الشعر مهداة لمن لا يهينا

ويقول عنترة:

سيأتيكم عني وإن كنت نائياً

دخان العلندي دون بيتي مذود

قصائد من قيل امريء يحتديكم

وانتم (بحسمى) فارتدوا وتقلدوا

وقال أبو المهند الفزاري:

كانت لنا أجبال (حسمى) فاللوى

وحرة النار فهذا المستوى

ومن تميم قد لقينا باللوى

يوم النسار فسقيناهم روى

ويبدو أن طبيعة أرضها الجميلة الخلابة بأشجارها المتنوعة وجبالها الشامخة كانت موحية بكثير من الشعر..

مر بها (المتنبي) فوصفها بأنها أرض طيبة تنبت جميع أنواع النبات ووصف جبالها بأنها في كبد السماء.. متناوحة ملساء الجوانب لا يكاد يفارقها القتام..

لهذا قال النابغة:

فأصبح عاقلاً بجبال حسمى

دقاق الترب محتزم القتام

كما وصفها ووصف أرضها وجبالها وهضابها علامة الجزيرة الشيخ حمد الجاسر رحمه الله فيقول: "ثم سرنا بين هضاب حسمى وهي هضاب حينما يشاهدها المرء يتخيلها قصوراً من حيث ارتفاعها واستواء جوانبها واستقامتها بدرجة تجعلها أشبه شيء بالجدران المقامة الملساء الجوانب ومن تلك الجبال ما يبدو أشبه ما يكون بالقصور التي ادرك الغراب بعض جوانبها"..

رغم كل ذلك بقي في حسمى قلة من أبنائها الذين أثروا البقاء بين تلك الجبال الشاهقة ينصتون لها وهي تحكي لهم قصص العشق وتاريخ الأجيال وقصائد مثلها لا تموت..

أحدهم الشاعر (عطا الله خميّس العطوي) الذي يقول:

يسقيك يا حسمى من الوسم براق

بكور مزن مردمات سحابه

تضفي على جالك من الحسن ما لاق

عروس يزهى في يديها خضابه

اغليك حسمى كثر ما بي من أشواق

اغليك واغلي كل شبر وعلى به

ويصفها الشاعر الدكتور نايف الجهني في كتابة بلاد حسمى في قصيدة نثرية قال فيها:

يضاء الوقت ببهاء اللحظة.. وهي تطل من أعالي السفوح

تحمل للذاكرة تفاصيل البحر

واللغة التي تنثر أطيافها على الرمل بحمرته الأنيقة

ورائحة عشب يأتي من عمق التواريخ

.. هنا.. تمتزج المتناقضات بتشكيل فريد

تحيط الحضارة معصم الجبل الشاهق

بنور الدهشة..