مما لاشك فيه أن هناك إعجاباً من كثير من شعوب العالم بإنجازات الشعب الأمريكي في مجالات الديمقراطية والصناعة والتقنية والكمبيوتر والإنترنت وعلوم الفضاء وفي وحدة ذلك الشعب وتجانسه، باعتبار أن الشعب الأمريكي قام على أساس ما يشبه الاتفاق أو العقد، فالدستور الأمريكي الذي وضع في بداية الاستقلال من ممثلي مختلف الفعاليات قبل ما يزيد على (200) سنة. نظم شئون الحكم بطريقة فريدة بما يضمن استقلال السلطات الحاكمة التنفيذية والتشريعية والقضائية عن بعضها البعض وأوجد المحكمة الفدرالية العليا للفصل فيما ينشب من خلاف بين هذه السلطات. وحدد مدة الرئاسة بأربع سنوات قابلة للتمديد لمدة أربع سنوات أخرى فقط، كما ضمن هذا الدستور مختلف الحريات بما فيها حرية العقيدة والرأي إضافة إلى تأكيده على مبادئ حقوق الإنسان، كما أن الولايات المتحدة فتحت أبوابها لكثير من شعوب العالم للتعليم والتدريب والسياحة.

ومن منطلق ما ورد بالدستور الأمريكي حول حقوق الإنسان وقفت الولايات المتحدة مع كثير من شعوب العالم المظلومة والأقليات في بعض الدول كما حصل في كوريا وفيتنام والصين والصومال والبوسنة والهرسك وكوسوفا، ففي البوسنة والهرسك وكوسوفا وقفت الولايات المتحدة مع الأقليات المظلومة مع انها تدين بالإسلام.. كما انها فقدت الآلاف من أبنائها في فيتنام في سبيل مناهضة الشيوعية.

إذا كان الأمر كذلك بالنسبة لمواقف الولايات المتحدة من مناصرة المظلومين والذود عن حقوق الإنسان انطلاقاً مما ورد في دستورها فلماذا يوجد لها موقف مغاير تجاه القضية الفلسطينية والفلسطينيين؟، فهناك تحيز كامل لإسرائيل وهناك سكوت عن جرائمها اللاإنسانية تجاه الفلسطينيين العزل، فالمجازر الإسرائيلية التي قام بها الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية مؤخراً ولايزال هزت أنحاء العالم واستنكرتها كافة المجتمعات الدولية بما فيها المجتمع الأوروبي وفئات كثيرة من الشعب الأمريكي، ذلك أن حجة إسرائيل في ملاحقة المطلوبين من قبلها يجب ألا تؤدي إلى المساس بالمدنيين العزل وهو ما حصل، فإسرائيل من أجل الوصول لهدفها قامت بتدمير المنازل على سكانها من النساء والأطفال وكبار السن مما أدى إلى موت الكثيرين تحت الأنقاض بل وتعفن جثثهم مما أدى بإسرائيل لإخفاء جرائمها بالقيام بنقل الكثير من هذه الجثث بطرق غير إنسانية لأماكن بعيدة عن المدن عندما قامت الجرافات الإسرائيلية بهذه المهمة.

يمكن القول للولايات المتحدة إن الإنسان هو الإنسان سواء كان في الصين أو كوريا أو البوسنة أو كوسوفا أو فلسطين، فالنظرة الإنسانية ينبغي ألا تتجزأ بحق هؤلاء، وينبغي ألا يكون هناك مكيالان للتعامل في حقوق الإنسان، وأن مصداقيتها تتطلب عدم التحيز بين فئة وأخرى في هذا الشأن.

إسرائيل تبرر عملياتها بأنها تهدف لحماية شعبها من العمليات الفدائية والولايات المتحدة تفهمت هذا الموقف الإسرائيلي، والذي يمكن قوله حيال ذلك هل حماية إسرائيل من العمليات الفدائية الفلسطينية تتطلب الإضرار بل والقضاء على المدنيين الفلسطينيين وهل هذا السبب الذي أبدته إسرائيل كمبرر لعملياتها يجعل الولايات المتحدة تسكت عن تلك المجازر الإسرائيلية، وهل حقوق الإنسان حجبت في تلك اللحظات بحيث لا تشمل الفلسطينيين؟.

أليست الولايات المتحدة تدين بدين المسيح عليه السلام الذي ولد في بيت لحم إحدى مدن فلسطين والذي كان من معجزاته إحياء الناس بدل قتلهم؟، كما تقوم إسرائيل حالياً في موطن المسيح، بل انها الآن تحاصر أكبر كنائس فلسطين (كنيسة المهد) وتهدد باقتحامها فهل حجة القبض على المطلوبين تتطلب ايضاً هدم أماكن العبادة بعد أن هدمت المنازل على ساكنيها. إذا كانت إسرائيل والولايات المتحدة تستهينان بالعرب وقوتهم، أفلا تخشيان الله عز وجل. القوي العزيز والذي ينبذ الظلم والظالمين والذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء؟.

كان الأجدر بإسرائيل قبل أن تقوم بغزو الضفة الغربية أن تسأل نفسها بصدق لماذا يقوم شعب فلسطين بالعمليات الفدائية داخل مطاعمها ووسائل نقلها وأسواقها، أليس من أجل أن يرحل الاحتلال عن أراضيهم الذي ترتب عليه الفقر والمرض والبؤس لهم، نعم لماذا لا تنسحب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية؟. هل تريد امتلاك تلك الأراضي إذا كان هذا هو هدفها فلماذا لا تعلنه للعالم بصراحة، أما إذا كانت لا تريد ذلك فلماذا المماطلة وإضاعة الوقت خاصة بعد أن أبدى العرب استعدادهم للتعايش، ولماذا تصف العمليات الفلسطينية بالإرهاب أليس من حق الشعب الفلسطيني المقاومة لتحرير أراضيه؟.

والسؤال نفسه موجه للولايات المتحدة أوَلم يقم الشعب الأمريكي أثناء الاحتلال الانجليزي بالمقاومة حتى حصل على الاستقلال، لماذا لم توصف تلك المقاومة بالإرهاب، ولو أن بريطانيا وصفت آنذاك تلك المقاومة بالإرهاب هل، يرضى الشعب الأمريكي أو الولايات المتحدة بذلك. إذاً فإن مما يجمع عليه العقلاء أن الحل في الانسحاب كي يعيش الشعب الفلسطيني حراً كغيره من شعوب العالم والشعب الإسرائيلي آمناً وأن على الولايات المتحدة كإحدى قلاع الحرية أن تسعى بجدية لتحقيق ذلك.

وبدون ذلك لن ينتهي العنف ولن يتوقف شعب فلسطين عن المقاومة ولو تكرر الغزو الإسرائيلي مرات ومرات..