تعتبر الرقابة من أهم وظائف الإدارة لكونها تحدد وضع العملية الإدارية من الناحيتين الإيجابية والسلبية.

وتتعدد أنواع الرقابة التي ينبغي للمسؤول الأخذ بها أو بعضها من أجل معرفة سير العمل في الجهاز الذي يشرف عليه من حيث النشاط الذي يقوم به ذلك الجهاز والقوى العاملة التي تؤدي هذا النشاط، فهناك الرقابة عن طريق التقارير التي ترفع للمسؤول وهناك الرقابة عن طريق عقد الاجتماعات مع الوكلاء أو المدراء لديه، وهناك الرقابة الذاتية التي يقوم بها المسؤول بنفسه عن طريق الجولات الميدانية على القطاعات والإدارات والأقسام داخل المركز الرئيسي أو الزيارات الميدانية لفروع ذلك الجهاز في المناطق والمحافظات من حين لآخر ولعل النوع الأخير من الرقابة وهو الرقابة الذاتية من قبل المسؤول هو الأكثر فاعلية لكونه يتصف بالمزايا التالية:

@ كونه يتم مباشرة وبدون واسطة من المسؤول.

@ إنه يكشف للمسؤول الإيجابيات والسلبيات في كل قطاع إداري أو فرع على الطبيعة وبالذات إذا كانت الرقابة الذاتية تتم بدون ترتيب مسبق.

@ إنه يشعر الموظفين ممن لا يتسنى لهم بحكم طبيعة عملهم مقابلة المسؤول يومياً أو دورياً بوجود المسؤول معهم وإحساسه بأعمالهم واهتمامه بهم.

@ إنه يكشف للمسؤول عن الموظفين ذوي الكفاءة فيشجعهم والموظفين الأقل كفاءة فيعمل على إصلاحهم بدلاً من التقارير التي ترفع له عنهم والتي قد تكون غير مكتملة أو بعيدة عن الواقع وبسبب أهمية الرقابة الذاتية فإن حكومة بلادنا بقيادة الملك المفدى وسمو ولي العهد حفظهما الله تؤكد دائماً على العمل بها من قبل المسؤولين من وزراء ونحوهم فكثيراً ما سمعنا عن توجيهات القيادة الرشيدة للوزراء بألا يكون أداء نشاطهم ومهامهم مقصوراً في مكاتبهم فقط بل أن يكون للميدان نصيب من أعمالهم وهذه التوجيهات السامية لا تقتصر على الوزراء فقط بل إن على الوزراء أيضاً تكليف مرؤوسيهم من وكلاء ومدراء بأن يقوم كل منهم بالعمل الميداني في مجال اختصاصاته.

ويأتي اهتمام حكومة بلادنا بالرقابة الذاتية انطلاقاً من أهميتها ودورها في الإصلاح، كما قلنا إضافة إلى كونها نهجاً إسلامياً فقد كان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يباشر الرقابة بنفسه على العاملين معه من الصحابة الكرام وسواهم، وسار على نهجه في ذلك الخلفاء الراشدون، ومن ذلك ما قام به عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعد اتساع الدولة الإسلامية بإنشاء الدواوين المختلفة للمساعدة في تصريف أمور الدولة ومباشرة مهام الرقابة على الولاة والأعمال، الذي يشكل سبقاً إسلامياً في هذا الإطار.

إذاً فباعتبار أن الرقابة بالذات الرقابة الذاتية عبارة عن عملية مراجعة الإنجازات حسب الخطط المرسومة ومعرفة أسباب المخالفات ومعالجتها بما يهدف إلى:

@ حماية المصلحة العامة.

@ اتخاذ القرارات المناسبة لمعالجة الأخطاء.

@ مكافأة العناصر من القوى العاملة التي تسهم في العمل الجاد ووقف المخالفات، والعمل على إصلاح الموظفين المخالفين وذوي الكفاءة المتدنية.

لذلك فإن الرقابة الذاتية المستمرة من المسؤولين مباشرة كما هي مبدأ إداري مهم معمول به عالمياً، وحثت القيادة الحكيمة في بلادنا على العمل به، وهناك تطبيقات لذلك تستخلص من زيارات المسؤولين من وزراء ونحوهم لفروع أجهزتهم في المنطقة، إلا أنه ينبغي تفعيل هذا المبدأ وتعميمه بحيث تكون هذه الزيارات في غالبها غير مرتبة المواعيد من سابق، وأن تكون ليس للفروع الرئيسية فقط بل لأجزاء تلك الفروع، وأن يتخلل تلك الزيارات عقد اجتماعات مع المسؤولين بالفروع وندوات مع موظفيها حسب جداول أعمال مدروسة بحيث ينتج عن تلك الاجتماعات والندوات قرارات وتوصيات ذات أهمية من شأنها التأكيد على الأعمال الناجحة وتشجيع القائمين بها وكشف المخالفات والتقصير وإصلاح مرتكبيه، فنحن كأي مجتمع عالمي وحتى ولو كان متقدماً كما أن لدينا جوانب ايجابية كثيرة فإن لدينا جوانب سلبية قد يكون منها:

@ حالات ليست بالقليلة من التسيب في الدوام الرسمي.

@ حالات من عدم الموضوعية في بعض حالات التعيين والترقية وبالذات تلك التي تملك الجهة الإدارية صلاحية التقرير فيها.

@ حالات ليست بالقليلة من اللامبالاة بالعمل والإخلاص فيه.

@ حالات كثيرة من المجاملة في تقويم الموظفين ومراقبتهم ومتابعة أعمالهم.

@ بطالة مقنعة في كثير من الإدارات والأقسام وعدم العمل على إيجاد توزيع سليم للموظفين، إذ أن بعض الإدارات لديها من الموظفين ما يزيد عن حاجتها والبعض الآخر خاصة تلك الإدارات المتعلقة باهتمام المراجعين لديها من الموظفين ما لا يتناسب مع طبيعة مهامها وأعمالها.

@ تميز الأقارب والأصدقاء من المراجعين بمعاملة خاصة مختلفة عما يعامل به بقية المراجعين.

@ المبالغة في الصرف على التأثيث وتأمين المستلزمات المكتبية.

@ عدم وجود أساليب موحدة للشراء وحدود دنيا وقصوى ملزمة للأسعار عند إجراء المناقصات والمزايدات ومراقبة ذلك.

@ المبالغة في إقامة المباني والملحقات فلو وجه الصرف على ذلك لإقامة مبانٍ للمدارس لكان أفضل.

وبعد هذه أمثلة لبعض السلبيات التي قد تكشف المراقبة المستمرة وبالذات الرقابة الذاتية منها عن كثير منها ومعالجتها وعدم تكرارها، إذ أن في تلافي ذلك أو معالجته خيراً لبلادنا وبما يتماشى مع توجيهات قيادتنا وبالذات ما ورد في تعميم سمو ولي العهد حفظه الله الأخير الذي يحث على الترشيد والإصلاح المالي والإداري.