عندما كان ياسر عرفات يرفع يده (نافضاً) في وجه المراسل التلفزيوني ويقول أنت لا تعرف الفلسطينيين، نحن شعب الجبارين ويكرر الجبارين... الجبارين.. الجبارين.. هذه العبارة التي أصبحت (لازمة) في لسان ياسر عرفات كان ينظر لها البعض بأنه لفظ محكي يتمسك به ياسر عرفات بلا معنى في حالات الانكسار التي يعيشها ومحاولة لتعزيز موقفه وصموده في سجنه الكبير في رام الله لكن التداعيات والأحداث المتوالية والعمليات الاستشهادية أثبتت أن الفلسطينيين هم شعب الجبارين فرغم الحصار والتجويع والتنكيل إلا أنهم استطاعوا أن يقوموا بعمليات استشهادية وإسقاط المعادلة التي تقول إذا استمر الحصار على الضفة وقطاع غزة فإن المدن الإسرائيلية ستكون آمنة.. والعملية التي نفذها الاستشهادي في صفد يوم أمس الأحد عملية نوعية أذهلت القادة الإسرائيليين لبعد صفد عن خطوط التماس عن مدن الضفة وأنها المدينة السياحية الآمنة والتي لم تشهد أي عمل عسكري..

الآن يكتشف اليهود بعد عملية صفد والجامعة العبرية أن هذا الشعب هو كما وصف بالشعب الجبارين فزعماء حماس والمنظمات الفلسطينية يقيمون داخل الضفة وغزة ويتحدثون بلهجة تهديدية ونبرات تحدّ رغم إقامتهم تحت الحصار.. هذا الشعب يقدم عنواناً جديداً للمقاومة شعاره الحزام الناسف والعمليات الاستشهادية ويقدم شعاراً آخر هو المقاومة في الداخل من داخل المخيمات رغم التجويع والإهانات..

أحد الجبارين من حركة حماس يقول: نطالب العرب أن يلتفوا حول العراق ويمنعوا الضربة الأمريكية المتوعدة. أما نحن في فلسطين فإننا قادرون على المقاومة والرد على الصهاينة وعملياتنا الاستشهادية ستركع اليهود وتجبرهم على الانسحاب من مدننا.. هذا تعليق أحد الجبارين من الداخل وليس من فنادق بعيدة في مدن أوروبية باردة. هؤلاء يتحدثون بأسمائهم ومناصبهم الإدارية من داخل المخيمات ولا يعنيهم التهديد والوعيد من اليهود لأنهم يشعرون انهم مشاريع استشهادية وأنهم لا يختلفون عن أي فلسطيني آخر..

تجربة حزب الله في لبنان من خلال المقاومة المتواصلة والعمليات النوعية والإصرار على المقاومة وكسر إرادة العدو أعطت للفلسطينيين دافعية نقلت الانتفاضة من الحجر إلى العمليات الاستشهادية ونقلت المقاومة من الدفاع إلى الهجوم وأوجدت أرضية خصبة للعمليات الاستشهادية وحولت الشعب الفلسطيني كله إلى مقاوم.

الحالة التي يعيشها اليهود هي أواخر حالات الانتصار، وبدأت الأصوات تعلو إلى النظر في الهزيمة والانكسار بعد العمليات المتوالية رغم أنهم زجوا بالجيوش والاحتياطيين في الضفة الغربية . الآن يطل علينا السؤال من الداخل الإسرائيلي، ماجدوى إعادة الاحتلال إذا كان القتلى في المدن الإسرائيلية وجدوى الحصار إذا كانت العمليات الاستشهادية بتزايد. وجدوى مطاردة المقاومين إذا كانت العمليات الانتقامية الفلسطينية مستمرة.. سؤال الداخل الإسرائيلي بدأ يكبر ويتسع نطاقه لكن الفلسطينيين شعب الجبارين أصبح لا يهتم بارتفاع وتيرة الصوت أو انخفاضه لأنهم تجاوزوا موقف الرأي العام الإسرائيلي في الداخل بعد أن حققوا مكاسب في العمليات الاستشهادية.