لكل قرية جبلية في عسير شخصيتها المتميزة بطبيعتها المختلفة وتضاريسها المتفاوتة وصخورها المتباينة ففي جولة اليوم انتقلنا الى إحدى قراها وهي قرية ( الحبلة) لنتعرف على ماوصلت اليه ونكشف مخزون ذاكرة الأهالي هناك حيث لازالت الذاكرة تحتفظ بقصة التنمية فمن حوالي 350عاما الى عام 1399ه حتمت ظروف الحياة على سكان تلك القرية ان يعيشوا منعزلين في بقعة مساحتها تقل عن الكيلو مترمربع منخفضين عن الارض فقللت من تواصلهم مع المجتمعات المحيطة واستمر سكانها بهذا الموقع تجبرهم تلك الطبيعة على استخدام الحبال كوسيلة لتوصيل المؤن وأصبح تسلق الجبال هو طريقهم الوحيد للوصول الى العالم الآخر.وقد ساهم هذا الموقع في عزلة سكانها ردحا من الزمن نظرا لتلك الخصوصية الجغرافية التي فرض الانحدار الشديد والقطع الصخري فيها صعوبة الاتصال بالحياة الا بالتعلق بالحبال وتسلق الجبال ولم يكن يقدر على هذه الوسيلة الا اهلها الذين عاشوا مجتمعا متجانسا بين تلك الاغوار معتمدين بعد الله على الزراعة والرعي وتربية النحل والصناعات التقليدية التي تلبي احتياجات مجتمعهم البسيط....
(قصة التوطين)
تقع قرية الحبلة جنوب شرقي مدينة أبها وتبعد عنها مسافة 55كلم، وقرية الملك فيصل الخيرية بمركز الواديين شرق عسير هذه القرية التي أصبحت مدينة نموذجية تحتفل دوما بتكامل الخدمات فيها التي تخدم سكانها الذين انتقلوا من بين تلك الشقوق إليها فلها قصة إنشاء واستيطان تحملها ذاكرة الأجيال هناك وتشكر دوما ماقدمته قيادتنا الحكيمة من أجل تنمية الإنسان والمكان في كافة مدن وهجر وقرى هذا الوطن الغالي...
(قرية الملك فيصل)
لقد شهدت هذه القرية مولداً جديداً في تنمية الإنسان استسقينا من كتاب صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل (مسافة التنمية وشاهد عيان) جزءاً منه إضافة الى وقوفنا هناك فمنذ عام 1399ه حيث لم يمض على تعيين صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل بن عبدالعزيز أميرا لعسير سوى سبع سنوات حتى انطلقت قافلة التنمية نحو القطاعات المنعزلة عن أسباب الحياة في منطقة عسير وكانت الحبلة أولى محطاتها حيث تحول أهلها من قرية معزولة يستخدمون الحبال ويتسلقون الصخور كوسيلة انتقال لهم الى مدينة عصرية تهيأت في ظل قيادتنا الرشيدة على يد الأمير خالد الفيصل بقرية الملك فيصل الخيرية ففي يوم الحادي عشر من شهر رجب من عام 1398ه اي قبل ما يقارب ثلاثين عاما كان يوما مشهودا وتاريخيا في ( الحبلة الانسان والمكان ) حينما امتدت يد العطاء والبناء والخير لتلك الفئة تحتضنها وترعاها وتلحقها بركب التنمية السعودية التي جعلت الانسان السعودي محور اهتمامها وغاية أهدافها.
ففي ذلك اليوم تم اختيار الموقع الجديد لنقل واعادة توطين سكان الحبلة وعددهم في ذلك التاريخ يقدر بستين أسرة ولم يكن انتقالهم إلابعد محاولات عديدة بمتابعة الأمير خالد الفيصل بواسطة شيخ القبيلة الشيخ عبدالعزيز العامر التي استمرت لمدة عام كامل من المحاولة وهذا ما أوضحه الامير خالد الفيصل ليتقبلوا فكرة انتقالهم الى عالم الحياة حيث روعي اختيار مكانهم الجديد قربه من الاماكن الحضارية في المنطقة وسهولة ربطه بالمدن الرئيسية من الناحية التخطيطية واستيعابه للاحتياجات الحالية والنمو المستقبلي معتمدا في ذلك على اسلوب التخطيط النموذجي وهذا ما تم لأهالي الحبلة حيث تم تقسيم الموقع الى قسمين سكني وزراعي فخطط القسم السكني منه واعطى لكل اسرة قطعة ارض سكنية اقيم عليها مسكن تتوفر فيه جميع مستلزمات الحياة العصرية ويلبي احتياجات التوسع المستقبلي للاسرة الموطنة وتم تخصيص قطع من الاراضي للمرافق العامة من مساجد ومدارس بنين وبنات لجميع المراحل ومركز اجتماعي ونادي للشباب ومركز صحي وسميت القرية الجديدة باسم الملك فيصل بن عبدالعزيز طيب الله ثراه. وفي يوم الثامن والعشرين من شهر ربيع الثاني من عام 1399ه رعى صاحب السمو الملكي الامير خالد الفيصل بن عبدالعزيز امير منطقة عسير حفل نقل اهالي الحبلة الى قريتهم الجديدة، قرية الملك فيصل الخيرية وتم تسليم الوحدات السكنية للمستفيدين ومن ذلك الوقت بدأت مرحلة جديدة لذلك المجتمع، وقامت الشؤون الاجتماعية بمنطقة عسير بدراسة ميدانية خلصت الى توصيات منها بناء مسجد جامع وايصال المياه والكهرباء وافتتاح مركز للرعاية الصحية ومدارس للبنين والبنات وشمول المستحقين بخدمات الضمان الاجتماعي وتأسيس جمعية تعاونية ولجنة للتنمية الاجتماعية، وقد تم تنفيذ جميع التوصيات واصبحت قرية الملك فيصل الخيرية احد مراكز النمو الحضاري وقدمت دليلا على نجاح تجربة اعادة التوطين مادامت التجربة مبنية على حاجات ملحة مع الاخذ بعين الاعتبار ملاءمة الموقع المراد اعادة التوطين فيه وتكامل الخدمات الاساسية للمجتمع المراد اعادة توطينه، وتم افتتاح مركز الرعاية الصحية الاولية وملحق به قسم لرعاية الحالات الطارئة بطاقة ثلاثين سريرا ولوحظ ان السكان بدأوا يتسلمون احتياجات مجتمعهم ويشاركون في تلبيتها فبادروا الى انشاء جمعية تعاونية متعددة الاغراض.
وفي عام 1404ه تم تأسيس لجنة التنمية الاجتماعية بقرية الملك فيصل وتضم روضة للاطفال ودارا للفتاة لتعليم النساء وناديا للشباب ومكتبة عامة، وفي مجال التعليم التحق ابناء القرية من بنين وبنات بمجالات التعليم المختلفة من الروضة وحتى التعليم الجامعي وكان من الطبيعي ان تتغير السمات الاساسية لمهن اهالي الحبلة بعد انتقالهم الى القرية الجديدة واندماجهم في المجتمعات المحيطة بهم ومشاركتهم في مشروعات التنمية من خلال الالتحاق بالتعليم وبالوظائف الحكومية والاهلية والاعمال الحرة وقد عكس ذلك المشروع الحيوي أثره الكبير حتى اليوم على النواحي الاجتماعية والاقتصادية والبيئية واسلوب المعيشة ومستوى الحياة وحفز من ادراك الناس لمتغيرات العصر ومتطلباته وأصبحت قرية الملك فيصل تضم الأن 362أسرة وجموع أفرادها 3161نسمة وقد تشرف أهالي الحبلة في يوم الثلاثاء 1419/1/8ه بزيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله حيث استقبلوه بالأهازيج وعرضات الفرح والكلمات والقصائد الترحيبية..
(شاهد على التوطين)
خلال جولتنا في قرية الملك فيصل الخيرية أكد المواطن مرعي بن علي بن محمد القحطاني أحد سكان قرية الحبلة القديمة وبعمره الذي شارف السبعين عاما أن فكرة الانتقال لم يتقبلوها أنذاك حيث كان عمره وقتها قرابة الثلاثين عاما كان من ضمن سكان تلك القرية القديمة وعاد بالحديث الى ذاكرة الماضي وقال/كنا بالفعل نستخدم الحبال كوسيلة نوصل بها متطلباتنا من المدينة وكنا نتسلق تلك الجبال للوصول الى مدينة أبها وضواحيها وذلك لطلب المعيشة وللتعرف على أخبار المنطقة من خلال الأسواق الأسبوعية التي كنا نلتقي فيها لنتبادل السلع ولنتناقل الأخبار ولكن ماإن وصل صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل الى عسير حتى بدأت المحاولات في نقلنا الى هذا الموقع المتكامل بالخدمات وهذا ما تم خلال الأعوام الماضية فالبفعل وجدت وعايشت فارقا كبيرا بين الحياة فمن وضع منغلق جدا الى عالم متحرك وجدنا فيه كافة الخدمات واستطعنا العيش مواكبة مع المدن الأخرى فتعلم اولادنا جميع العلوم من خلال المدارس التي أقيمت وأصبح من خريجها العديد من الأبناء الذين التحقوا بالوظائف الحكومية المدنية والعسكرية منها فالشكر لله ثم لهذه القيادة الحكيمة والشكر موصولا لمهندس الإنجازات في عسير الأمير خالد الفيصل. وأضاف لنا الشاب محمد عبدالله القحطاني أن ما عايشه آباؤهم من فترة تحول وانتقال لم ينسوها فكان حديث ينقله آباؤهم لهم وقال أنا ولدت بالموقع الجديد ولكن ما صنعته الدولة لأبائنا وقصة التنمية لنا لم تغب عنا وكأننا عايشناها
(منتجع سياحي)
بعد هذا التحول واستقرار أهالي قرية الحبلة في موطنهم الجديد بقرية الملك فيصل الخيرية شهد موقع هذه القرية مولد أكبر مشروع للعربات المعلقة على مستوى المملكة ودول الخليج العربي ومشروعاً سكنياً سياحياً متكاملاً حيث افتتحه صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل بن عبدالعزيز في 27/صفر/1415ه ويحتوي على العربات المعلقة )التلفريك) وعشرين )فيلا) سكنية وملاهي أطفال، ومسجداً، ومطعماً وأسواقاً ومحطة وقود. وتقوم العربات المعلقة بإيصال السواح من قمة الحبلة إلى أسفلها والتي تصل إلى حوالي 300.00متر حيث تم إنشاء مطعم واستراحات في أسفل الحبلة لتقديم الخدمة للمصطافين، ويعتبر منتزه الحبلة من أهم مناطق الجذب السياحي لما تتميز به تلك القطوع والتشققات في الجبال بشكل عمودي وكذلك تمتاز بإمكانية الرؤية الخلابة من أعلى إلى قرية الحبلة القديمة وإلى جزء من تهامة. كما يضم منتجع الحبلة المنطقة الترفيهية وهي تشمل مختلف الأنشطة الترفيهية مثل حوض السباحة، بيت الشعر للرجال وللنساء، الحدائق، المطعم، العربات المعلقة، الملاعب مع مختلف أنواع الألعاب الترفيهية الحديثة للكبار والصغار والممرات المرصوفة ومواقف السيارات. إضافة الى المطاعم حيث يحتوي مطعم الحبلة على صالة طعام للعوائل وأخرى عامة، ويقدم مجموعة مختارة من أشهى المأكولات الشرقية والغربية مع خدمة متميزة. وقد تم أيضا تجهيز أماكن للجلوس بخصوصية كاملة على حافة القطع الصخري يمكن منها رؤية جزء من تهامة المنطقة وقرية الحبلة القديمة، ومتابعة حركات العربات المعلقة أثناء نقلها الزوار بين أسفل وأعلى القطع الصخري.
التعليقات