الأمير عبدالله الفيصل هو أحد رموز الشعر العربي، وهو أحد أقطاب الرومانسية المعاصرين، بل أفضل من قرض الشعر الرومانسي الحديث بعد غياب مدرسة أبولو في الوطن العربي، ومن يطلع على شعره ودواوينه يجده من الأعلام الذين خطوا الشعر المليء بالحرمان، ويمثل معادلة من معادلات شعر التضاد فهو الأمير الذي تقلد العديد من المناصب الرسمية في المملكة، وهو حفيد مؤسس المملكة، ونجل الملك الشهيد فيصل، ومع ذلك كتب شعر الحرمان الذي يختزن بين أبياته العديد من الصور الإبداعية ذات المسحة الحزينة، والحرمان الممزوج بالعاطفة التي تظهر المخزون الثقافي، والموروث الأدبي، وعمق الاطلاع على التراث العربي من الشعر بمختلف اتجاهاته.

عبدالله الفيصل من أبرز شعرائنا في الجزيرة العربية والخليج، وفي الوطن العربي الكبير. في كلماته سمات الروح العربية الأصيلة التي لا تشوبها شوائب الاستحداث، وفي أبياته نسمات الجزيرة العربية، وفي قصائده حكايات التراث والمعاصرة.وفي هذه الدراسة المتواضعة، محاولات للتعرف على جوانب من شخصيته ومن شعره ومافيه من إبداع وجمال وتنوع في الأغراض، وقد قسمت هذا البحث الى فصلين حيث تناولت في الفصل الأول حياة الشاعر في سطور، وفي الفصل الثاني تناولت شعره من حيث أكثر أغراضه شهرة بالدراسة والقراءة.

وقد عانيت في البحث عن مرجع حيث لم أجد ما يفي بالغرض فما كتب عنه لا يسمن ولا يغني من جوع حاله كسائر شعراء المملكة وبالذات من كان على قيد الحياة حيث العطاء لم يتوقف ولذلك اعتمدت على قراءتي لقصائده.

لا يمكن الحديث عن شاعر أو كاتب أو مبدع على وجه العموم دون الإحاطة بظروف محيطه وبيئته والعوامل المتعددة التي ساهمت في نشأته وتكوين شخصيته.ومن هنا فإن معرفة شخصية الشاعر العربي الكبير عبدالله الفيصل تتطلب منا الإشارة الى نبذة عن حياته الزاخرة بالعطاءات المتعددة سواء على مستوى الإبداع في فن الشعر أو إسهاماته الأخرى في ساحة المجتمع والتي جعلت منه علماً إنسانياً تجاوز الإقليمية ليصل إلى مصاف العالمية.إن الظروف المتميزة التي نشأ فيها الشاعر العربي الكبير عبدالله الفيصل لكفيلة بأن تطبعه بشتى الميزات والخصال الراقية.

إن إنتماءه إلى الأسرة المالكة بالمملكة العربية السعودية أهله لتلقي تربية صالحة تميزت بالقساوة أحياناً لأنه كأمير ملزم منذ الصبا بأن يكون مثالاً وقوة يحتذى بها في مختلف المعارف والعلوم إضافة إلى أن التجارب الإنسانية التي عايشها بجانب والده المغفور له الملك فيصل بن عبدالعزيز رحمه الله، غذت شخصيته الفذة بمقومات النبل والدراية بأحوال الناس والمجتمع. ولاشك أن ذلك كان وراء النزعة الإنسانية التي تميز الإنتاج الإبداعي للشاعر العربي الكبير عبدالله الفيصل الأمر الذي جعله يحظى باحترام وتقدير عالميين.

ولأن الانتماء إلى أسرة عريقة في الشرف والنبل هو أبرز ما يطبع شخصيته الفذة. فقد حرص الشاعر العربي الكبير عبدالله الفيصل دوماً على أن يمثل تلك الأسرة النبيلة خير تمثيل في تواضعه الجم مع رجالات العلم والمعرفة والأدب، وكرمه وسخائه وجوده، مبرهناً للجميع على النخوة العربية والإسلامية، وعن مواقف الرجولة والشهامة والإباء.

إن قراءة ودراسة الشاعر العربي الكبير عبدالله الفيصل ليست صعبة لأن لغتة أصيلة، ولأن لوحته الشعرية بما هي عليه من حيوية وحركة واضحة التفاصيل، بل لأنها تحاكينا في اللحظة التي تستغرق في الحلم.

عبدالله الفيصل والشعر:

وفي القراءات الأولى باتجاه دراسة شعره يحملنا الظن بأنه صعب في الاختيار، صعب في الدخول إلى الرواق الشعري وذلك بما يؤديه من هيبة لغته الشعرية، ولكننا لا نلبث أن نتأكد من أن ما ظنناه صعوبة في الاختيار هو في الواقع تحسين بالغ الرهافة في تقديم ما في حوزته من غنى المستوعب والمتمثل من شعر وتاريخ وحياة وخبرات في الممارسة الشعرية. نتأكد من ذلك حتى ونحن نرسو عند قصائده التي لم تختر إلا الشوارد الصعاب مطلباً فمدت لها شباكها المتقنة فشبكتها.تلك هي قافيات الشاعر العربي الكبير عبدالله الفيصل تؤكد القصيدة عنده أصالتها فهي لا تقبل أن تكون مجرد مقاطع شعرية تتجاوز اللغة وتسبر مكامن الصورة، ولا هي حتى مجرد رغبة في افتعال حوار أصم واختلاف ممكنات مهترئة.

إن القصيدة بهذا المعنى سكن جسد الشاعر، تتابع كل المشاعر التي تسكن خوالجه.. إنها تتحول إلى زخم يخترق فضاء الحياة لينثر بذور الحب.إن الكلمة في شعر عبدالله الفيصل صرخة، لكنها صرخة تعمق صداها في حوارات ومناجاة لا متناهية مع الحبيبة ومع العالم. وإن القصيدة بالنسبة له مشاركة، غوص في المعاناة، جمل لها وترحال بها في تقاطيع الحياة إنها الشرارة التي تعانق الشمس في الأفق.وتتآطر القصائد ضمن مجموع حدود لها دلالاتها الرمزية، والتي تشكل في آخر المطاف محددات القول الشعري وتمنحه لغة الحب والدعوة إلى الحب لتتموضع المرأة ضمن نمو تحولات الكتابة الشعرية، ويتوسع فضاء قاموسها، وتعود المرأة في تلوناتها الأسطورية الذاتية إلى قلب القصيدة.

أما عن إيقاعية القصيدة عند الشاعر عبدالله الفيصل فهي تشكل عبر سيولتها وعبر الحركة المستمرة للقصيدة في تسارعها. وتسير التجربة نحو مزيد من التبلور لأنها تتوجه نحو بناء القصيدة الجديدة في الشعر العربي المعاصر، وذلك أمر لا يتأتى إلا بشروط أهمها اكتساب القصيدة لقدرات لغوية واسعة، تنسج العلاقات الممكنة بين فكر القصيدة وكتابتها.

آراء الأدباء في شعره وشاعريته:

يقول عنه طه حسين في كتابه (من أدبنا المعاصر) بدوي النزعة في هذا الحب النقي العفيف القريب البعيد في وقت واحد ولكنه على ذلك مصري اللغة أو لبنانيها.

@ وكتب عنه الدكتور يوسف نوفل في كتابه (أدباء من السعودية) إن شعر الأمير عبدالله الفيصل حصيلة تأثر فني بصيحات التجديد في المضمون لدى جماعة التجديد الذهني، جماعة الديوان، وجماعة أبوللو، واتجاههم الوجداني، وشعراء، رابطة الأدب الحديث، وشعراء المهجر.

@ وكتب الدكتور محمد بن سعد بن حسين عن شاعرنا في كتاب "الأدب الحديث في نجد" إن الشاعر الأمير قد وقف ديوانه الأولى "وحي الحرمان" على شعر الغزل يذيب فيه عواطفه، ويسكب مشاعره وأحاسيسه، وقادة كنار جوانحه أشعلها الحب وألهبها الصدود، فقذفت حممها قصائد وجدانية، أضفى عليها جمال الأسلوب وفصاحة اللفظ، وحسن السبك وقوة الحبك وإشراقة الديباجة جمالاً على جمالها.

@ وقال عنه جان غيتون - عضو الأكاديمية الفرنسية - عبدالله الفيصل وفي لأصول الشعر العربي فهو على العكس من العديد من الشعراء العرب المعاصرين الذين حولوا جوازاتنا الشعرية المغرية، نراه يوجب على نفسه الصبر والزهد والتضحية فاستطاع بهذا المسلك الصعب أن يهب أغاني الحب الخالدة حياة جديدة في صحراء هذا العالم.

@ مقدمة لدراسة نشرت في مجلة المنتدى شوال 1419ه