التوجه الإيجابي الذي تتجمع مؤشراته العديدة لجر الشباب نحو المشروعات الصغيرة مدخل جديد وعملي للتوظيف ولتعظيم القيمة المضافة من الثروة الوطنية، ومن هذه المؤشرات قيام مؤسسة جديدة هي (صندوق المئوية) يرعاه صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز خصيصاً لهذا الغرض، وهناك القروض التي تقدمها وزارة المالية للعديد من الأنشطة، وقبل أسبوعين كنت شاهداً لاجتماعات اللجنة السعودية الإيطالية ولأن إيطاليا رائدة في المشاريع الصغيرة والمتوسطة عالمياً فقد سعت المملكة للاستفادة من هذه التجربة عبر اقتراح إنشاء شركة برأسمال مشترك ( 10ملايين دولار) لتكون آلية عملية تدعم التوجه للاستفادة من التجربة الإيطالية لتطوير فكر ومفهوم المنشآت الصغيرة والمتوسطة.

هذا التوجه إذا لم تصاحبه اصلاحات رئيسية حاسمة فإنه سوف يضيع لأن حجم المنافسة أمام السعودي الذي يرغب العمل في المنشآت الصغيرة، سواء برأسماله الخاص أو شريكاً، كبيرة ومخيفة وتحيل تطلعاتنا ورغبتنا إلى (هشيم تذر وه الرياح) ولنا تجارب سابقة وحية مع كثيرين من السعوديين ممن حاولوا دخول التجارة أو الصناعة، ولكن انتهى بهم المطاف إلى النهر العظيم.. نهر (التستر التجاري) الذي يتدفق بالخيرات إلى خارج الحدود!

تحويل الشباب السعودي، الذي تتراكم أعداده بعشرات الألوف سنوياً، ولا يجد مقعداً دراسياً أو فرصة عمل، تحويله إلى قطاع منتج في الاقتصاد لن يتحقق بالأماني والدعوات و(التوعيات) والحلول الوقتية، إنما يتحقق بالإصلاحات الجذرية التي تهيئ له فرص العمل وتقلص هامش المنافسة الواسع الذي نعاني منه في مجالات عديدة.

من الإصلاحات الرئيسية التي نوردها على سبيل المثال ونتطلع إلى غيرها من الإصلاحات الوطنية القادمة، هو قرار قصر العمل في قطاع الأجرة العامة على السعوديين، فهذا القرار سوف يفتح المجال لأعداد كبيرة من السعوديين، وهناك أبعاد أمنية واجتماعية عديدة لمثل هذا القرار تتجاوز بكثير أثره على سوق العمل وزيادة فرص الوظائف للسعوديين.

الآن على سبيل المثال.. لماذا لا نجد قراراً جديداً يقصر العمل في محلات بيع المواد الغذائية مثل (البقالات) على السعوديين، فالمؤسف في قطاع تجارة التجزئة بشكل عام هو أن السعوديين يقومون بالحصول على التراخيص اللازمة للنشاط، ويهيئوا محلاتهم للعمل ثم يسلموها لعمالة يستقدمونها لأجل إدارة هذا النشاط والعمل به بالأجر الشهري، ولكن هذا الوضع كما نعرف لا يستمر حيث سوء الإدارة والمراقبة وحجم المنافسة تؤدي إلى التخلي عن النشاط ثم تتسلمه مجموعات العمالة المخالفة والمدركة - بحكم التجربة - لطبيعتنا وطريقة تفكيرنا وتراجع أخلاقيات (البعض) منا!

أقول: لماذا لا يصدر قرار بقصر العمل في محلات بيع المواد الغذائية، مثل البقالات مبدئياً، على أصحابها المرخص النشاط باسمهم، وإذا احتاجوا للمساعدة يوظفوا سعوديين معهم سواء بالأجر أو بالمشاركة، والعمل في البقالات أجده أكثر جاذبية وأكثر دخلاً وأسهل بكثير من وظائف يقدم عليها السعوديون الآن بكثافة، مثل العمل في شركات الأمن التي تدفع رواتب متواضعة جداً مقارنة بالدخل الذي سوف يجنيه الشباب من العمل في النشاط التجاري.

طبعاً.. اتخاذ مثل هذا القرار ستكون له المضاعفات السلبية الوقتية ولكن أنا متأكد أن الناس لن تموت جوعاً، بل ربما يساعد مثل هذا القرار على ترشيد عدد البقالات المخيف، ويرفع من مستواها المتهالك المتخلف في إمكانات الحفظ والنظافة، ويقلل من منافذ تمرير البضائع المقلدة والفاسدة التي تصل إلى موائدنا مع سيطرة مجموعات العمالة على تجارة الجملة والتسويق والتوزيع في المواد الغذائية.

لأجل أن يجد السعوديون فرص العمل، نحن بحاجة للقرارات الحاسمة التي توسع خيارات العمل في القطاع التجاري، فدفع السعوديين للعمل في تجارة التجزئة - على وجه التحديد - هو الواعد بتوظيف السعوديين، أما الاكتفاء بمطاردة الشركات والمؤسسات لأجل السعودة فلن يزيح عنا شبح البطالة وإمكانية أن نتحول إلى بلد (يصدر العمالة).. ولماذا لا نتخيل هذا السناريو.. ألم يحدث ما كنا نستبعد حدوثه في السابق في جوانب أخرى من حياتنا!