تبادلت وسائل الإعلام قبل عدة أشهر خبراً عابراً عن ظهور مشروب غازي جديد في الأسواق الفرنسية يدعى مكة كولا Mecca - Cola خصصت نسبة من أرباحه لمساعدة الاطفال الفلسطينيين المصابين من الهجمات الاسرائيلية المتكررة، والعوائل التي فقدت سكنها. وقد حاولت وسائل الإعلام الأجنبية في تلك الفترة استنكار هذا التوجه، والتشكيك في نجاح تسويق مثل هذا المشروب، ولكن بعد شهر واحد فقط من بداية انطلاق المشروب الجديد، استطاع صاحبه - ويدعى توفيق مثلوثي - من بيع أكثر من مليون قارورة في فرنسا وحدها، ومع سرعة انتشار سمعة المشروب الجديد، وتزايد الطلبات عليه من قبل أكبر متاجر الأغذية في فرنسا، وشحن طلبات الى أمريكا وعدد من دول اوروبا، اتجهت أنظار وسائل الإعلام الأجنبية اليه مرة أخرى ولكن هذه المرة كانت الأنظار مليئة بالإعجاب والانبهار بكميات المبيعات الضخمة لمكة كولا في زمن قياسي، والاقبال السريع الذي لقيه من المستهلكين بشكل عام، بغض النظر عن كونهم مسلمين أم لا.

فقد نشرت النيويورك تايمز مقابلة أجراها صحفي يدعى "جون تاغليابي" مع السيد توفيق مثلوثي قبل اسبوعين، حيث تحدث السيد توفيق بكل بصراحة عن بداية فكرة المشروب التي ولدت كنتيجة مباشرة للمقاطعة العربية للمنتجات الامريكية احتجاجا على سياستها في منطقة الشرق الأوسط، فقد كان الاستاذ توفيق - من اصل تونسي - يدير قناة اذاعية موجهة للجاليات المسلمة والعربية في فرنسا، عندما بدأت الدعوات للمقاطعة، وعندما كان يناقش موضوع عدم شرب "كوكا كولا" مع ابنه البالغ من العمر عشر سنوات، ذكر له الابن بانه لا مانع لديه، ولكن طلب من والده ان يجد له بديلا، وبالفعل، بدأ الأستاذ توفيق بالتخطيط لمشروعه وإعداد التمويل اللازم، له، والذي استطاع في غضون اشهر قليلة اطلاقه بنجاح وقوة، ويقوم حاليا بالتخطيط لاطلاق عدة نكهات جديدة له.

ما يثير الاهتمام في المقابلة المفصلة التي نشرت في الصحيفة الأمريكية - المعروف عنها عدم الموضوعية في أغلب الأحيان- أنها أظهرت إعجابا كبيرا - ليس فقط بالأرباح التي حققها مشروب مكة كولا على نطاق الدول الاوروبية وامريكا - وإنما ايضا بالطريقة الايجابية التي استغلها عدد آخر من رجال الأعمال في الدول العربية والاسلامية للاستفادة من المقاطعة في اطلاق منتجات محلية، حيث جاء ذكر مشروب "ستار كولا" الذي لقي اقبالا واسعا في الإمارات، و"زمزم كولا" الذي تسبب في خسارة معظم الشركات الأمريكية داخل ايران بشكل خاص، وغيرها من المنتجات التي بدأ صيتها يذاع تدريجيا.

إن قصة مكة، وستار، وزمزم وغيرها من كولا عربية تصور لنا حسن استغلال بعضنا للمواقف السلبية الكثيرة المحيطة بنا، وتحويلها الى مواقف ايجابية تخدمنا، وبغض النظر عن كل ما يقال، فقد استطاع بعضنا فرض احترامه على العالم - ولو كان على نطاق فردي محدود-.. وأكيد لم يكن ذلك من خلال الكلام الكثير والعمل القليل او المعدوم.