قال الجاحظ: الكتاب وعاء ملئ علماً، وظرف حشي ظرفاً، وبستان يحمل في ردن، وروضة تقلب في حجر، ينطق عن الموتى، ويترجم كلام الأحياء.

وقال: من صنف كتاباً فقد استهدف؛ فإن احسن فقد استعطف، وان اساء فقد استقذف.

وقال: لا اعلم جاراً أبر، ولا خليطاً أنصف، ولا رفيقاً اطوع، ولا معلما اخضع، ولا صاحباً اظهر كفاية، وأقل جناية، ولا اقل املالاً وإبراماً، ولا اقل خلافاً وإجراماً، ولا اقل غيبة، ولا ابعد من عضيهة، ولا اكثر أعجوبة وتصرفاً، ولا اقل صلفاً وتكلفاً، ولا ابعد من مراء، ولا اترك لشغب، ولا ازهد في جدال، ولا اكف عن قتال، من كتاب. ولا اعلم قريناً احسن مواتاة، ولا اعجل مكافأة، ولا احضر معونة، ولا اقل مؤونة، ولا شجرة اطول عمراً، ولا اجمع امراً، ولا اطيب ثمرة، ولا اقرب مجتنى، ولا اسرع ادراكاً في كل اوان، ولا اوجد في غير ابان، من كتاب. ولا اعلم نتاجاً في حداثة سنه، وقرب ميلاده، ورخص ثمنه، وإمكان وجوده، يجمع من التدابير الحسنة، والعلوم الغريبة، ومن آثار العقول الصحيحة، ومحمود الأخبار عن القرون الماضية، والبلاد المتراخية، والأمثال السائرة، والأمم البائدة ما يجمع الكتاب.

ودخل الرشيد على المأمون، وهو ينظر في كتاب، فقال: ما هذا؟ فقال: كتاب يشحذ الفكرة، ويحسن العشرة. فقال: الحمد لله الذي رزقني من يرى بعين قلبه أكثر مما يرى بعين جسمه.

وقيل لبعض العلماء: ما بلغ من سرورك بأدبك وكتبك؟ فقال: هي ان خلوت لذتي، وإن اهتممت سلوتي، وإن قلت: ان زهر البستان، ونور الجنان، يجلوان الأبصار، ويمتعان بحسنهما الألحاظ؛ فإن بستان الكتب يجلو العقل، ويشحد الذهن، ويحيي القلب، ويقوي القريحة، ويعين الطبيعة، ويبعث نتائج العقول، ويستثير دفائن القلوب، ويمتع في الخلوة، ويؤنس في الوحشة، ويضحك بنوادره، ويسر بغرائبه، ويفيد ولا يستفيد، ويعطي ولا يأخذ، وتصل لذته الى القلب، من غير سآمة تدرك، ولا مشقة تعرض لك.

وقال أبو الطيب المتنبي:

وللسر مني موضع لا يناله

نديم، ولا يفضي اليه شراب

وللخود مني ساعة، ثم بيننا

فلاة الى غير اللقاء تجاب

وما العشق الا غرة وطماعة

يعرض قلب نفسه فيصاب

وغير فؤادي للغواني رمية

وغير بناني للرخاخ ركاب

تركنا لأطراف القنا كل لذة

فليس لنا الا بهن لعاب

نصرفه للطعن فوق سوابح

قد انقصفت فيهن منه كعاب

اعز مكان في الدنا سرج سابح

وخير جليس في الزمان كتاب

@@@

دخل اعرابي على الخليفة العباسي المأمون وأنشأ يقول:

رأيت في النوم اني مالك فرسا

ولي وصيف وفي كفي دنانير

فقال قوم لهم علم ومعرفة

رأيت خيراً وللأحلام تفسير

اقصص رؤياك في قصر الأمير تجد

تحقيق ذاك وللفأل التباشير

فقال المأمون: اضغاث احلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين.