أكثر ما يخشاه الناس هو المجهول وهذا الخوف أوقفهم في أماكنهم أزمنة طويلة وعلى عدة مستويات، وعدم التحرك كان بسبب الخوف الشديد بما قد يحمله المجهول من مكروه، علماً اننا نواجه المجهول يومياً فعندما نستيقظ في الصباح لنبدأ يومنا هل نعرف ماذا تحمل لنا ساعات وثواني هذا اليوم؟ وهذا الكلام موجه بالذات لمن يخطط ليومه وكيفية قضاء ساعاته كم مرة تغير مخططك اليومي بسبب أوضاع وظروف طرأت فجأة ولم تكن في الحسبان سواء كانت جيدة أو العكس، كلمة "ولا كان في بالي" ألا تعني وقوع المجهول الذي لم تكن تعرفه!! ولو عرفت بأن هناك أمراً ما سيحدث وخيرت للتوجه نحوه أو الوقوف في مكانك اعتقد ان النسبة العظمى من الناس سوف تختار الوقوف في مكانهم متوقعين انه لن يصيبهم إلا المكروه، إشراقة الشمس وبداية يوم جديد هما مجهول أنت تعيشه بكل تفاصيله ولكنه مجهول مجبر على المضي فيه، قليلون من يقدمون هم بأرجلهم للمجهول ولا ينتظرون حتى تشتد الأزمات ويجبرون للتوجه نحوه وهذا ينسجم مع قاعدة الحياة الكبرى بأن الأفضل دائماً قليل، اعتقد أن الذي أطلق مثل "أقضب قردك ليجيك أقرد منه" شخص أساء لمجتمعه بعد أن أساء لنفسه بالتأكيد وكنت اتمنى أن أرى قصة حياة هذا الشخص وإن كنت اعتقد انها مليئة بالرتابة والملل فهذا المثل من أكثر الأمثلة التي تردد عندما يريد الشخص أن يغير أي اتجاه في حياته وينفذ بحذافيره رغم ان هذا المثل لا يستخدمه الرجال عندما يفكرون بالزواج بالثانية والثالثة.... والعاشرة!! مما يشير أن هناك قرودا مرغوبة ويُسعى لها!! هذا الخوف من المجهول واتمنى أن يعرف القارئ الكريم أني حين اتحدث عن المجهول فأنا لا أطالب بالتهور وأظن الخيط رفيعاً بينهما وشفافاً ويعتمد على حاسة الشخص المقدم على الخطوة، هذا الخوف والركون لما هو معتاد قد يكون تسبب في ضياع كثير من فرص الحياة حسب قول أحد الحكماء.

كثير من الفتيات امتنعن عن الزواج بسبب خوفهن من المجهول الذي ينتظرهن مع هذا الرجل، كثير بقوا في أماكن عملهم رغم ضيقهم منها لأنهم خائفون من المجهول الذي ينتظرهم في مكان آخر، كثير يمسكون مبالغهم ولا يحركونها خوفاً من المجهول الذي يتمثل في الخسارة، وكثير وكثير.... لو أعدنا ذكرياتنا قليلاً للوراء ورأينا المواقف التي تعرضنا فيها للمجهول خاصة الذي كان باختيارنا واقصد المجهول الذي تذهب إليه بحكمة وليس بتهور ستجده من أجمل التغيرات التي مرت في حياتك حتى لو كانت مليئة بالعثرات والمصاعب في بدايتها، يقول اليابانيون وهم العمليون جداً في حياتهم حتى انهم حطموا الأمثلة التي قد تفسد هذه العملية وتفسد جمالها ان من قال ان الفرصة تأتي مرة واحدة في العمر إنسان يائس ومحبط، فالفرص عبارة عن سفن وأنت تقف على شاطئ البحر وخلال اليوم الواحد سوف ترسو على الشاطئ أكثر من سفينة ومن الطبيعي انك ستركب إحدى هذه السفن، والمقصود بشاطئ البحر هي الحياة، ولا تعتقد أن الوضع الذي تعيشه الآن هو فرصة حياتك فتأكد ان هناك دائماً سفناً تنتظرك في الحياة، وتأكد أيضاً أن لديك من المواهب والقدرات ما يجعلك تواجه المجهول بقوة وإن لم يكن لديك هذه المواهب فانظر إلى نفسك واسع جهدك لتعديلها وتحسينها، فكنتاكي أصبح أشهر صاحب مطاعم وهو في السبعين من عمره عندما تقاعد عن العمل، كما أن هناك أمراً في غاية الأهمية وهو ما يوضع في المقدمة ألا يعتبر الخوف من المجهول هو عدم ثقة بالله وبقدرته على تصريف أمور العباد؟! وأنك من عباده الذين لن يتركهم أبداً وهو المتصرف بكل أمورك وان هناك آية واضحة في القرآن {وفي السماء رزقكم وما توعدون} وليس الرزق فقط هو المال فأعظم رزق يعطى للإنسان هو العقل والحكمة، ومن النعم أن يكون في حياتك رصيد من التجارب التي في غالب الأحيان لا تتوفر إلا باقتحام المجهول.