رغم قصر عمر السينما الإماراتية إلا أنها أفرزت لنا جيلاً شاباً يمتلئ بالموهبة والإبداع ويمتلك رؤيته الخاصة في صناعة الفيلم ومن هذا الجيل يبرز اسم المخرج والمصور الفوتوغرافي (نواف الجناحي) صاحب التجربة السينمائية اللافتة والمتفردة بإخلاصها للغة البصر واستغلال كافة الإمكانات التعبيرية التي تضمنها الصورة، فأفلامه التي صنعها حتى الآن تجعله حالة مميزة في مسيرة السينما الإماراتية باعتباره صاحب اتجاه مستقل يبتعد عن الخطابية والمباشرة والتقليدية التي تضج بها السينما العربية عموماً. وإذا ما قررنا أن السينما هي في نهايتها (صورة) تتحدث وتحكي وتقول باستقلالية تامة فإن الأفلام التي تحمل توقيع (نواف الجناحي) هي أقرب إلى الحالة السينمائية الخالصة.

بدأ نواف الجناحي مسيرته مع الإخراج عام 2002بفيلم (هاجس) ثم أتبعه بفيلم (على طريق) الذي برزت فيه بصمته الخاصة والمميزة حين ألغى الحوار وجعل الصورة هي البطل الأول والأخير. الفيلم يصور رجلاً يركض ويركض حتى النهاية!. وبهذه البساطة ينجح (نواف) في تفجير معانٍ فلسفية عميقة. وبنفس الأسلوب قدم فيلمه الثالث (أرواح) عام 2004والذي صوّر فيه مجموعة من الأشخاص يواجهون الكاميرا، ثم يواجهون موتهم، كل على حدة. وهذه الأفلام الثلاثة يستطيع المهتم أن يشاهدها عبر موقع المخرج في شبكة الإنترنت (www.njan7.com).

فيلم (مرايا الصمت) هو آخر أعمال (نواف الجناحي) وقد شارك به في الدورة الماضية لمهرجان دبي السينمائي ضمن مسابقة الأفلام الروائية القصيرة وسيشارك ضمن قسم (بانوراما عربية) في الدورة القادمة لمسابقة أفلام من الإمارات. وهو يحكي بلغة بصرية رمزية وبلا حوار قصة المدنية والتطور العمراني الكبير الذي طال الإمارات في السنوات الأخيرة وكيف أن هذا التطور جاء على حساب الإنسان الذي انسحق وانطحن تحت أرتال من الإسمنت والطوب. إن الإنسان يعاني الضيعة والخواء ولا ملجأ له ولا منجى من هذا الصخب ومن هذه السجون الأسمنتية سوى العودة إلى داخله، إلى أحلامه، فهي العزاء الوحيد حتى لو لم يضمن تحقيقها.. ألسنا نعشق الحياة؟ إذن فلنتجه صوب أنفسنا لأنها هي المكان الوحيد والأخير الذي يشع بهذه الحياة أما الخارج فلم يعد إلا سجناً كبيراً مكوناً من شوارع وبنايات!.

قد يكون هذا التفسير مطابقاً لما يريده المخرج وقد لا يكون! وهنا تحديداً نحن نتحدث عن أبرز سمة في سينما (نواف الجناحي) إنها مفتوحة على كل الاحتمالات تقبل كافة التفاسير فلكل واحد منا تفسيره الخاص والصحيح! وهذا يجعلها سينما مستفزة تقود إلى التفكير وتجبر المشاهد على المشاركة في تركيب الصور وترتيب معانيها حتى يصل في نهاية الطريق إلى المعنى النهائي. وإذا ابتعدنا عن المعنى وعن الفكرة التي يقدمها فيلم (مرايا الصمت) واتجهنا ناحية الجمالية البصرية فنحن أمام سمة أخرى مهمة تصبغ سينما (نواف الجناحي) بشكل دائم تتمثل في جمال الصورة.. فهنا ومنذ بداية الفيلم نرى سيلاً كثيفاً ومتدفقاً لصور متتابعة تسير خلف بعضها البعض باتساق منطقي يصنع (فكرة) محددة ويطورها حتى يصل إلى الذروة على خشبة المسرح. وكل صورة من هذه الصور تحمل جمالها الخاص الفاتن الذي زاد من بريقه روعة التشكيل وذلك العبث المدروس باللون والضوء. لتكون النتيجة فيلماً (جميلا) وجذاباً في شكله يوازي نصاعة الفكرة واستفزازها. وهذه العناية بالجانب الجمالي نابعة - ربما - من كون (نواف الجناحي) في الأساس مصور فوتوغرافي يتذوق الصورة ويتحسس مكامن الجمال فيها.