عبدالقيس والإسلام

في بداية ظهور أمر النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم فإن قبائل عديدة أخذت تتتبع أخباره فمنهم من لم يسلموا لأسباب مختلفة وهؤلاء هم الأغلبية أما القلة فهم من دخلوا في الإسلام طائعين غير مكرهين عليه ومن هؤلاء قبيلة عبدالقيس التي دخلت في الإسلام منذ وقت مبكر ومهدت لدخول أغلب سكان البحرين آنذاك في الإسلام حتى أصبحت هذه المنطقة هي ثاني منطقة تدخل في الإسلام بعد المدينة المنورة وقبل فتح مكة وهم أيضاً من بنوا مسجد جواثا(ب) الذي جاء خبره في البخاري حيث قال: (عن أبي جمرة الضبعي عن ابن عباس أنه قال: إن أول جمعة جُمعت بعد جمعة في مسجد رسول الله، في مسجد عبدالقيس بجواثا من البحرين)(11)، وجواثا منطقة ما زالت معروفة حتى اليوم في الأحساء.

وفي قوله تعالى: {أَفَغَيءرَ دِينِ اللّهِ يَبءغُونَ وَلَهُ أَسءلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرءضِ طَوءعًا وَكَرءهًا وَإِلَيءهِ يُرءجَعُونَ} ذكر بعض المفسرين أن الذين أسلموا طوعاً في السماء هم الملائكة والذين أسلموا طوعاً في الأرض هم الأنصار وعبدالقيس، والطبري أضاف عليهم بنو سليم(12).

وفي هذا يقول فيهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند وفادتهم الرسمية عليه في المدينة المنورة: (يا معشر الأنصار أكرموا إخوانكم فإنهم أشباهكم في الإسلام، أشبه شيئاً أشعاراً وأبشاراً أسلموا طائعين غير مكرهين ولا موتورين إذ أبى قوم أن يسلموا حتى قتلوا)(13).

@ وتعود قصة بدء اسلام عبدالقيس وباقي أهالي البحرين إلى ماقبل هجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة، وقيل ان ذلك كان سنة الهجرة إلى المدينة.

وهي أن المنذر بن عائذ بن الحارث العبدي (الذي لقبه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالأشج) كان صديقاً لراهب ينزل بدارين(ج) فكان يلقاه في كل عام فأخبره بأن نبياً يخرج بمكة يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة وبين كتفيه علامة ويظهر على الأديان وبعدها مات هذا الراهب. وعند سماع الأشج بخبر محمد صلى الله عليه وآله وسلم بعث بابن أخته وزوج ابنته عمرو بن عبدالقيس ببعض التمر والملاحف وأرسله إلى مكة للتجارة وأوصاه بالتحقق من امر النبي عليه وعلى آله الصلاة والسلام. (وهناك عدة روايات تدل على الاتصال بين البحرين والحجاز في الجاهلية خاصة في مجال التجارة) فقدم عمرو مكة وأتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأعطاه تمرا وقال هذا صدقة فلم يقبله فبعث إليه بغيره وقال هذا هدية فقبله، وتلطف حتى نظر إلى مابين كتفيه فدعاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى الإسلام فأسلم وعلمه سورة الفاتحة وسورة العلق، وقال له ادع خالك إلى الإسلام.

ثم رحل إلى هجر وبحوزته كتاب من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلى جماعة عبدالقيس فلما وصل كتمه أياماً، فاطلعت عليه امرأته وهو يصلي ويقرأ فأنكرت عليه ذلك وذكرته لأبيها فقالت: أنكرت بَعلي منذ قدم أنه يغسل أطرافه ويستقبل الجهة فيحني ظهره مرة ويحني جبينه مرة، ذلك ديدنه منذ ان قدم. فتلاقيا فتحدثا فوقع الإسلام في قلب الأشج ثم قام إلى قومه من "عصر" و"محارب" (د) بكتاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقرأه عليهم فوقع الإسلام في قلوبهم(14).

ثم بعد الفتح وبعد أن راسل النبي صلى الله عليه وآله وسلم الملوك والأمراء في أصقاع الأرض، وبعد انتشار الإسلام . قامت عبدالقيس بوفادتها الرسمية الأولى على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ويرأس الوفد المنذر بن عائذ "الأشج"، وقد اختلف الرواة في عدد الوفد لكن أقلهم هو ما ذكره ابن حجر بأنهم كانوا ثلاثة عشر راكباً .

وقد ذكر ابن سعد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو من طلب من الأشج أن يرسل وفداً من البحرين يأتيه بالمدينة(15)، وكذلك ذكر النويري أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كتب إلى أهل البحرين أن يقدم إليه عشرون رجلاً فقدموا عليه يرأسهم الأشج(16).

@ ولهذه الوفادة روايات طويلة وتفاصيل كثيرة وقد ذكر منها كل من البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه فدونوها برواياتها وطرقها المختلفة، وسنحاول إلقاء الضوء على بعض ما جاء من هذه الروايات.

وفي الرواية أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نظر إلى الأفق صبيحة ليلة قدموا فقال: ليَأتين ركب من المشرق لم يُكرهوا على الإسلام، وقد أنضوا الركاب وأفنوا الزاد بصاحبهم علامة، اللهم اغفر لعبدالقيس اتوني لايسألوني مالاً، هم خير أهل المشرق(17).

فلما بُشر الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- بخروج عبدالقيس، قام عمر وقصد نحوهم فقال من القوم؟ قالوا من عبدالقيس، قال فما أقدمكم هذه البلاد التجارة؟ قالوا لا، قال أما ان رسول الله قد ذكركم آنفاً فقال خيراً، ومشى معهم حتى أتى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال للقوم هذا صاحبكم الذي تريدون فرموا بأنفسهم عن ركائبهم فمنهم من مشى إليه ومنهم من سعى حتى اتى النبي فابتدروه وأخذوا يده يقبلونها، وتخلف الأشج، وجعل رسول الله يسألهم أيكم عبدالله الأشج؟ فيقولون أتاك يارسول الله وكان قد وضع ثياب سفره وأخرج ثياباً حسناً فلبسها ......إلى ان قال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: فيك خصلتان يحبهما الله تعالى، فقال وما هما؟ قال النبي: الحلم والأناة(18). وأنزلهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم دار رملة بنت الحارث وأقاموا عشرة أيام يسألون النبي فيها عن الفقه والقرآن، وهي فترة طويلة بالنسبة لغيرهم من الوفود.

@ وفي رواية، سألهم عن أعز مدن هجر(ه) فقالوا: المشقّرو)، قال: فوالله لقد دخلتها وأخذت اقليدها، ووقفت على عين الزارة(ز). ثم قال اللهم اغفر لعبدالقيس إذ اسلموا طائعين غير كارهين غير خزايا ولا موتورين إذ بعض قومنا لايسلموا حتى يخزوا ويوتروا، وابتهل وجهه ثم استقبل القبلة فأخذ يدعوا لعبدالقيس ثم قال: إن خير أهل المشرق عبدالقيس، ثم أقبل على الأنصار فقال: يامعشر الأنصار أكرموا إخوانكم فإنهم أشباهكم في الإسلام(19).

وكان يطمئن عليهم ويسألهم: كيف رأيتم كرامة اخوانكم لكم وضيافتهم اياكم، فقالوا خير اخوان ألانوا فرشنا وأطابوا مطعمنا وباتوا وأصبحنا يعلموننا كتاب ربنا وسنة نبينا، فأعجب النبي وفرح لذلك ثم أقبل عليهم رجلاً رجلاً يعرضهم على ماتعلموه وما علموه فمنهم من تعلم التحيات وأم الكتاب والسورة والسورتين والسنة والسنتين(20).

ومما جاء في الروايات أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سألهم: هل معكم من أزوادكم شيء؟ ففرح القوم بذلك وابتدروا رحالهم فأقبل كل رجل منهم معه صرة من تمر فوضعوها على نطع بين يديه فأومأ بجريدة في يده كان يختصر بها فوق الذراع ودون الذراعين فقال أتسمون هذا التعضوض؟ قالوا نعم، ثم أومأ إلى صرة أخرى فقال أتسمون هذا الصرفان؟ قالوا نعم، ثم أومأ إلى صرة فقال أتسمون هذا البرني؟ قالوا نعم فقال رسول الله أما إنه خير تمركم وأنفعه لكم، فلما رجعوا إلى بلاد هجر أكثروا الغرز منه وعظمت رغبتهم فيه حتى صار معظم تمرهم ونخلهم البرني(21). وفي رواية أن أحدهم قال: بأبي أنت وأمي يارسول الله لو كنت ولدت في جوف هجر ما كنت بأعلم منك الساعة، أشهد أنك رسول الله، فقال لهم إن أرضكم رفعت إليّ منذ قعدتم فنظرت من أدناها إلى أقصاها(22).

@ وقد كان لعبدالقيس وفادة ثانية، لها أيضاً رواياتها التي لايتسع المجال لذكرها، وفيها اسلم الصحابي الجليل الجارود ابن عمرو ابن المعلا، وقد كانت مع عبدالقيس في الوفادة الثانية شخصيات من قبائل بحرانية اخرى مثل سلمة بن عياض الأزدي.

والجارود هذا كان من زعماء وخطباء البحرين وهو الذي في ايام الردة وبعد ردة بكر بن وائل وتميم في البحرين، قام خطيباً بجمع من عبدالقيس فقال: تعلمون أنه كان لله انبياء فيما مضى؟ قالوا نعم، قال تعلمونه أو ترونه؟ قالوا لا بل نعلمه، قال فما فعلوا؟ قالوا ماتوا، قال فإن محمداً مات كما ماتوا وأنا أشهد أن لاإله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، قالوا ونحن نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وإنك سيدنا وأفضلنا(23).

وقد ثبتت عبدالقيس على الإسلام أيام الردة حتى حين حاصر المرتدون جماعة منهم في قرية جواثا أرسلوا رسالة شعرية يطلبون فيها النجدة من خليفة المسلمين آنذاك وغيره من أمة الإسلام في مدينة رسول الله، وهي قصيدة لعبدالله بن حذف جاء في مطلعها:

ألا أبلغ أبا بكراً رسولاً

وفتيان المدينة أجمعينا

فهل لكم إلى قوم كرام

قعود في جواثا محصّرينا(24)

@ وقد كشفت بعض المصادر عن أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يراسل رؤساء عبدالقيس بشكل خاص إضافة إلى غيرهم لما لهم من مكانة في البحرين وقد جاء في رسالته لهم: (من محمد رسول الله إلى كبير عبدالقيس، إنهم آمنون بأمان الله وأمان رسوله على ما أحدثوا في الجاهلية من القحم وعليهم الوفاء بما عاهدوا ولهم أن لا يحبسوا عن طريق المسيرة ولا يمنعوا صوب القطر ولا يحرموا حريم الثمار عند بلوغه، والعلاء ابن الحضرمي أمين رسول الله على برها وبحرها وحاضرها وسراياها وما خرج منها، وأهل البحرين خفراؤه من الضيم وأعوانه على الظالم وأنصاره في الملاحم عليهم، بذلك عهد الله وميثاقه لايبدلوا قولاً ولايريدوا فرقة ولهم على جند المسلمين الشركة في الفيء والعدل في الحكم والقصد في السيرة حكم لاتبديل له في الفريقين كليهما والله ورسوله يشهد عليهم )(25).

  • وقد كان من عبدالقيس مجموعة من صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ورواة لأحاديثه أشهرهم الأشج والجارود اللذان ذكرناهما. وآخر لا يمكن إغفاله وهو زيد بن صوحان العبدي الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ( تقطع يده في سبيل الله ثم يتبع الله آخر جسده بأوله)(26)، وفي رواية (تسبقه يده إلى الجنة ثم يتبعها سائر جسده)(27). وصدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حيث قطعت يد زيد في يوم جلولاء، وقتل بعدها بثلاثين عاماً في يوم الجمل.

ومن الصحابة هرم ابن حيان، ومخربة العبدي، وصحار بن عياش، وحكيم بن جبلة، والحارث بن مرة، وأبو نضرة، وإبان المحاربي، وجودان العبدي، وجويرية العصري، وأبو خيرة الصباحي، وعبّاد العبدي ........وغيرهم.

ومن مشاهيرهم أيضاً الصلتان العبدي (شاعر الإمام علي عليه السلام) وصعصعة بن صوحان أخو زيد وسيحان وقد كان من فصحاء العرب والمسلمين وهو من قال له ابن عباس في محاورة بينهما (أحسنت يا ابن صوحان إنك لسليل أقوام كرام خطباء وفصحاء ما ورثت هذا عن كلالة)(28) وأبناء صوحان هؤلاء ولدوا في البحرين ونشأوا في العراق ومثلهم الكثير من عبدالقيس حيث انتقل الكثير من اهل البحرين للمدن التي انشأها الخليفة عمر بن الخطاب آنذاك في العراق وهما البصرة والكوفة، وقد كانت عبدالقيس تشكل خمس أخماس البصرة.

وقد كان منهم قاضي البصرة أيام الحجاج، عبدالرحمن ابن أذينة وهو من قال له الحجاج: أنت أكثر كلاماً من الخصم، فقال لأني أكلم الخصم والشاهدين(29).

@ وقد شاركت شخصيات من عبدالقيس في أغلب فتوحات المسلمين في صدر الإسلام خاصة فتوحات بلاد الشرق ومنها:

البويب، القادسية، المدائن، جلولاء، الأحواز ومناذر ونهر تيري، فتوحات فارس، فتوحات خراسان، ماوراء النهر، بلاد السغد، بيكند، وقعة الشعب، فتوح السند، فتح أفريقية.

ثم وفي فترة الفتن التي حدثت في التاريخ الإسلامي، فقد كان لغالبية عبدالقيس سواء في البحرين أو العراق وقفة لجانب الإمام علي عليه السلام وكانت عبدالقيس من أبرز قبائل ربيعة في جيشه وقد كان ابن الأشج على أهل هجر في جيش علي يوم حرب الجمل(30)، أما في صفين فقد قال الإمام علي لرؤساء ربيعة: (أنتم درعي ورمحي، أنتم أنصاري ومجيبوا دعوتي ومن أوثق حي في العرب في نفسي)، وفي صفين أيضاً كان حامل راية ربيعة هو الحضين بن منذر "أبوساسان" فقال فيها الإمام علي عليه السلام:

لنا الراية الحمراء يخفق ظلها

إذا قيل قدمها الحضين تقدما

ويدنوا بها في الصف حتى يزيرها

حمام المنايا تقطر الموت والدما

إلى أن قال:

جزى الله قوماً قاتلوا في لقائهم

لدى البأس خيراً ما أعف وأكرما

ربيعة أعني إنهم أهل نجدة

وبأس إذا لاقوا خميساً عرمرما(31)

وقد كان الإمام علي لايعدل بربيعة أحداً من قبائل العرب سوى همدان. وبذلك فإن قبائل ربيعة أهل البحرين خاصة عبدالقيس وبكر بن وائل وبوقوفهم مع الإمام علي أصبحوا بالتالي مناهضين للحكم الأموي مما جلب عليهم سخط بني امية وكذلك الأمر في عهد بني العباس فأصبحوا من المغضوب عليهم، وأهملت البحرين وأصبحت منفى للمعارضين فكانت أرضاً خصبة لكل من أراد الثورة أو الخروج على الحكم منذ عهد الخوارج إلى صاحب الزنج إلى القرامطة.

ونذكر هنا على عجالة الثورات التي قام بها فقط شخصيات من عبدالقيس(32):

@ تمرد بنو محارب في البحرين على حكم بني أمية سنة 78ه، وقد طلب والي البحرين النجدة من الحجاج في العراق آنذاك لكن جيشه كان مشغولاً بمحاربة الأزارقة الخوارج، فأمر عامله في اليمامة بأن يمد والي البحرين بالرجال للقضاء على هذه الثورة.

@ حركة الريان النكري في الخط -القطيف-، وقد تمكن من الأمر وطرد والي البحرين، لكن الحجاج قام بارسال جيش سنة 80ه من 12000مقاتل بقيادة يزيد بن ابي كبشة ودخلوا الزارة وقتلوا الريان وصلبوه مع مجموعة من اصحابه. وظل مصلوباً حتى قام داوود بن محرز -وكلهم من عبدالقيس- في جماعة واستولى على القطيف وأنزل جثة الريان ومن معه وامر بدفنهم، ثم قُضي عليه أيضاً بجيش من الأمويين.

@ وفي سنة 78ه توجه من البحرين إلى البصرة أبو معبد الشني وتمركز على مقربة منها وأخذ يهاجم البصرة حتى تصدى له صاحب شرطتها الحكم بن أيوب وقضى عليه.

@ سنة 86ه أيضاً من البحرين في البصرة ثار داوود بن النعمان وأيضاً قضى عليه الحكم بن أيوب بعد مقاومة عنيفة.

@ ثورة مسعود بن أبي زينب المحاربي في البحرين كانت بعد وفاة عبدالملك بن مروان سنة 86ه، فطرد عامل الأمويين وسيطر على البحرين وقضي عليه عندما حاول السيطرة على اليمامة. وبعده ثار أخوه سعيد وأخضع البحرين لسيطرته لكن سرعان ما سقط نتيجة اختلاف داخلي مع أحد معاونيه.

@ ثورة سليمان بن حكيم العبدي في البحرين كانت على حكم بني العباس عام 151ه وقد استطاع ابو جعفر المنصور اخمادها بارسال جيش بقيادة عقبة بن سلم والي البصرة وقد تمكن من قتل سليمان بن حكيم.

@ ثورة سيف بن بكير العبدي على الدولة العباسية كانت عام 190ه، وقد تمكن من السيطرة على هجر قصبة البحرين. فأرسل الرشيد جيشاً بقيادة محمد بن يزيد بن مزيد وبعد قتال عنيف استطاع قتل سيف بن بكير.

وهكذا ظلت عبدالقيس مسيطرة على هذا الإقليم فكانت آخر إماراتها هي الدولة العيونية، وقد زار المنطقة ابن بطوطة فقال عن الأحساء (مدينة هجر وتسمى اليوم بالحسا وهي مضرب المثل (كجالب التمر إلى هجر) وبها من النخيل ما ليس ببلد سواها وأهلها عرب أكثرهم من قبيلة عبدالقيس بن أفصي)(33). وقد تحدث المؤرخ النجدي ابن بشر عن أهم قبائل ربيعة ثم قال (ومنازل غالبهم البحرين وهجر والقطيف وحجر اليمامة وما والى هذه المنازل)(34). واستمرت زعامات عبدالقيس في هذه المنطقة إلى عهد قريب وكان آخرهم أسرة آل حاجي رؤساء "بلاد بن بطال" في العهد العثماني الأخير والمعروفة حالياً بقرية البطالية بالأحساء وهم من نسل الأمير العيوني مالك بن بطال وإليه تنسب القرية، والتي كانت أساساً جزءاً من مدينة الأحساء القديمة وقد ظل فيهم منصب العمدة في العهد السعودي. وفي الأحساء غيرهم الكثير من الأسر التي تنسب لهذه القبيلة مما لا يتسع لهم المجال.

وفي الختام نقول انه ومقارنة بما جاء عن هذه القبيلة وعن شخصياتها من أخبار متفرقة في بطون الكتب والمراجع فإن ما سطرناه ما هو إلا قليل بالنسبة لمن سبقونا في هذا المجال، فقد كان للعديد من أبناء المنطقة الشرقية محاولات جادة وفعالة في جمع مثل هذه الأخبار، فنحن لا نجد كتاباً يتحدث عن تاريخ المنطقة دون أن يتطرق لقبيلة عبدالقيس بدءا من مخطوطات ديوان ابن المقرب المتناثرة في العديد من مكتبات العالم (والتي قام مؤخراً بجمعها وتحقيقها على أفضل وجه الأستاذ عبدالخالق الجنبي ومن معه)، مروراً بقصيدة الحسين بن ثابت العبدي القطيفي التي ذكرت تفاصيل بطون وفروع هذه القبيلة والتي ذكرها العماد الأصفهاني في كتابه خريدة القصر وجريدة العصر، حتى نصل للمصادر المتأخرة ككتاب تحفة المستفيد للعبدالقادر وتاريخ هجر للأستاذ عبدالرحمن الملا، كذلك المقالات والبحوث التي نشرت عن هذه القبيلة في مجلة الواحة. بينما يبقى من أهم الكتب المعاصرة التي جمعت أخبار هذه القبيلة لحقبة زمنية معينة هو كتاب "قبيلة عبدالقيس منذ ظهور الإسلام حتى نهاية العصر الأموي" للأستاذ عبدالرحيم آل الشيخ مبارك فهو عمل هام اختصر الكثير على الباحثين في تلك الفترة، لذلك اعتمدنا عليه هنا بالنسبة للروايات والأحاديث الشريفة الواردة في إسلام القبيلة، ذلك مع ذكر المراجع الأصلية كما جاءت في الكتاب. وإننا إذ نتطرق لمثل هذه الأعمال فهذا أولاً تقديراً منا لأصحابها ثم إرشاداً لمن أراد الاستزادة بالرجوع إليها، والله ولي التوفيق.

الهوامش:

(11) صحيح البخاري، ج1، ص

215(ب) جواثا قرية مندرسة في الأحساء معلوم موقعها، وقد تم التنقيب عن ما يعتقد بأنه المسجد المذكور، ويفد إليه الكثير من الزوار والسياح.

(12) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي، ط 3"1387ه"، ج3، ص 128جامع البيان عن تفسير آي القرآن (تفسير الطبري) للطبري، ج6، ص

567(13) مسند أحمد ابن حنبل، للإمام أحمد ابن حنبل، استنبول1302ه 1982م، ج3، ص

432(ج) دارين لفظة كانت تطلق على جزيرة تاروت بالقطيف ودارين اسم لقلعة قديمة كانت بها، وقد بقي اسم دارين يطلق على مكان الفرضة. ثم تكونت في نفس الموقع قرية صغيرة في القرن الماضي بعد انتقال جماعة إليه من قطر، كان منهم أكبر تاجر خليجي في عصره النوخذه الشهير محمد بن عبدالوهاب الفيحاني ومازالت القرية معروفة باسم دارين حتى يومنا هذا.

(14) الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني، ج3، ص 236شرح صحيح مسلم للنووي، ج1، ص 181شرح صحيح البخاري للكرماني، ج1، ص 211الطبقات الكبرى لابن سعد، ج5، ص

564(د) عصر ومحارب هما فرعان من عبدالقيس.

(15) الطبقات الكبرى، لابن سعد، ج5، ص

557(16) نهاية الأرب، للنويري، ج18، ص 65و

66(17) الطبقات الكبرى، لابن سعد، ج1، ص 314نهاية الأرب، للنويري، ج18، ص

96(18) البداية والنهاية، لابن كثير، ج5، ص

55(ه) هجر هنا مطلقة على كامل اقليم البحرين./ (و) المشقّر كان قصراً شهيراً عند العرب في الجاهلية وبه حادثة يوم المشقر على بني تميم، وقد بنته الفُرس ابان حكمها للمنطقة على هيكل جبلي مازالت بقاياه حالياً في قرية القارة بالأحساء (ولتفاصيل أكثر يمكن الرجوع لكتاب هجر للأستاذ عبدالخالق الجنبي.) (ز) الزارة كانت من أهم مدن البحرين وأحصنها وموقعها حالياً بجانب قرية العوامية بالقطيف.

(19) + (20) + (21) مسند ابن حنبل، ج4، ص206و

207(22) السيرة الحلبية، للحلبي، ج3، ص253و

254(23) تاريخ الأمم والملوك للطبري، ج2، ص

285(24) الكامل لابن الأثير، ج2، ص 336البداية والنهاية لابن كثير، ج6، ص

369(25) الطبقات الكبرى، لابن سعد، ج1، ص

283(26) الطبقات الكبرى، لابن سعد، ج6، ص

123(27) فتوح البلدان للبلاذري، ج2، ص 924المعارف لابن قتيبة، ص 115أسد الغابة، لابن الأثير، ج2، ص291و

292(28) مروج الذهب للمسعودي، ج3، ص

45(29) أخبار القضاة، لابن حيان، ص

306(30) تاريخ الأمم للطبري، ج4، ص

505(31) ديوان الإمام علي بن أبي طالب ، شرح د. يوسف فرحات، ص

103(32) تاريخ هجر، للأستاذ عبدالرحمن الملا، ج2، ص 506و 507و

508(33) رحلة ابن بطوطة، ط3، (دار إحياء العلوم -بيروت) ص

287(34) عنوان المجد في تاريخ نجد، لعثمان بن بشر النجدي الحنبلي، ج2، ص5