اليوم الوطني الرابع والتسعون للمملكة العربية السعودية، يعزز فينا شعور الفخر والانتماء، مستلهمين معاني العزة والولاء التي أضاءت مسيرة وطننا منذ لحظات توحيده الأولى، نحو الوحدة والنهضة.

يحمل هذا اليوم التاريخي في طياته ذكرى العهد العظيم الذي أسسه الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - طيب الله ثراه - ورجاله المخلصون، حيث تحقق الحلم في قيام دولة قوية ومزدهرة، حافلة بالإنجازات العظيمة. بدأت مسيرتنا المجيدة بتوحيد المملكة عام 1351هـ، حينما جمع الملك عبدالعزيز شتات البلاد تحت راية واحدة، مؤسسًا بذلك قاعدة راسخة لدولة حديثة ومزدهرة. ومنذ ذلك الحين، بدأت المملكة رحلتها نحو بناء وطن قوي ومؤثر على الساحة الدولية، محققةً إنجازات استثنائية بفضل العمل الدؤوب والرؤية الثاقبة. على مر العقود، تطورت بلادنا بناءً على قيم ثابتة وتقاليد أصيلة، وأصبحت اليوم رمزًا للوحدة والتقدم.

تُعد خدمة ضيوف الرحمن من أبرز الاهتمامات التي تفخر بها المملكة العربية السعودية، حيث وضعت المملكة خدمة الحجاج والمعتمرين والزائرين على رأس أولوياتها. في هذا السياق، عملت على تطوير وتوسعة الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة بشكل مستدام، وتسهيل أداء المناسك عبر مشاريع توسعة الحرمين الشريفين، بالإضافة إلى مشاريع البنية التحتية المتكاملة. طورت المملكة منظومة متكاملة من الخدمات الصحية والأمنية والتنظيمية لضمان راحة وسلامة الحجاج والمعتمرين. كما تعكس مبادرات مثل "برنامج ضيوف الرحمن" ضمن رؤية السعودية 2030 حرص المملكة على رفع الطاقة الاستيعابية وتحسين جودة الخدمات المقدمة عاماً بعد عام، مؤكدة بذلك حرصها على شرف خدمة ضيوف الرحمن.

لقد أحرزت المملكة العربية السعودية تقدمًا ملحوظًا في شتى المجالات، مؤكدة دورها الريادي على المستوى الإقليمي والدولي. في المجال التعليمي، تم تأسيس جامعات ومؤسسات تعليمية عالمية المستوى، تسعى لإعداد جيل واعٍ ومتمكن قادر على المساهمة الفعّالة في تحقيق أهداف رؤية المملكة 2030. هذه الرؤية الطموحة تسعى إلى بناء اقتصاد مزدهر ومجتمع حيوي ووطن طموح، من خلال تعزيز الابتكار ودعم ريادة الأعمال، وتنويع مصادر الدخل، ورفع مستوى جودة الحياة.

وفي المجال الصحي، أثبتت المملكة كفاءتها في بناء منظومة صحية قوية قادرة على مواجهة التحديات. تم تطوير البنية التحتية للرعاية الصحية، وإنشاء المستشفيات والمراكز الطبية المتخصصة، بالإضافة إلى تعزيز الابتكار الطبي والبحث العلمي. واحتلت المملكة الريادة العالمية في فصل التوائم السيامية. وبرزت كفاءة القطاع الصحي بشكل واضح خلال جائحة كورونا، حيث أكدت المملكة قدرتها على التعامل مع الأزمات بفعالية وسرعة، وتوفير الرعاية اللازمة للمواطنين والمقيمين على حد سواء.

ومن الإنجازات التي نعتز بها أيضًا، دور المملكة في الحفاظ على البيئة واستدامة الموارد الطبيعية، حيث أطلقت العديد من المبادرات البيئية الرائدة، مثل مبادرة "السعودية الخضراء" ومشروع "نيوم"، الذي يمثل نموذجًا عالميًا للمدن المستدامة والذكية. تهدف هذه المشاريع إلى حماية البيئة وتعزيز استخدام الطاقة المتجددة، وهو ما ينسجم مع أهداف التنمية المستدامة وتعزيز الوعي البيئي في المجتمع.

لقد احتلت المملكة أيضاً مكانة بارزة في الاقتصاد العالمي، حيث نجحت في إحداث تحولات كبيرة في قطاعات عدة، مثل النفط والطاقة المتجددة، والصناعة، والخدمات المالية، والسياحة. وقد أسهمت برامج "الرؤية الوطنية" مثل برنامج "جودة الحياة" وبرنامج "التحول الوطني" في تعزيز موقع المملكة كقوة اقتصادية رائدة، وجعلتها وجهة جاذبة للاستثمار والسياحة.

في المجال الثقافي والتراثي، أولت المملكة اهتمامًا كبيرًا بالحفاظ على تراثها العريق وتاريخها الغني. تم إدراج مواقع سعودية في قائمة التراث العالمي لليونسكو، مثل الدرعية وجدة التاريخية ومدائن صالح، بالإضافة إلى تشجيع الأنشطة الثقافية والفنية، مما يسهم في تعزيز الهوية الوطنية ونشر الثقافة السعودية عالميًا.

اليوم، المملكة تسير بخطى ثابتة نحو مستقبل أكثر إشراقًا. برنامج التحول الرقمي يسعى إلى بناء مجتمع رقمي متكامل، وتطوير البنية التحتية التكنولوجية، وتوفير الخدمات الذكية للمواطنين والمقيمين والزائرين.

ختامًا، كل عام والسعودية العظمى، قيادةً وشعبًا، ترتقي في سماء المجد والازدهار. بخطى ثابتة وعزيمة لا تلين، نمضي نحو مستقبل أكثر إشراقًا، مستمدين قوتنا من الله ثم من إرادة أبنائنا التي لا تعرف المستحيل. في هذه المسيرة الملهِمة، تتحول الأحلام إلى إنجازات، ويتكاتف الجميع بروح واحدة لبناء غدٍ واعد، حاملين طموحات الوطن إلى آفاق التميز والريادة، حيث لا حدود لطموحنا ولا نهاية لأحلامنا.

  • عضو مجلس الشورى

أ. د. مصلح بن معيض الحارثي