في خطابه الملكي، وخلال افتتاح أعمال السنة الأولى من الدورة التاسعة لمجلس الشورى، استمع العالم للخطاب الرؤيوي، العميق في مبناه ومعناه، وكما عودنا سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في خطاباته، وظهوره الإعلامي، من جلاء في العبارة، والمواقف، والقوة، والجزالة في الطرح، وفي عمق المعنى.
في هذا الخطاب أكد سمو ولي العهد على النهج والمنهج الراسخين للدولة، واللذين يعكسان إيمانها العميق بالدور التشريعي والرقابي لمجلس الشورى. هذا النهج –يتأكد لنا دوماً ويتجلّى- وهو الثقة المطلقة في أهمية التعاضد والتواشج والتعاون بين المؤسسات، كما يُظهر أيضًا الثقة في قدرة المجلس على المساهمة الفعالة في تحقيق رؤية المملكة وخططها الاستراتيجية. هذه الثقة تبعث الارتياح وتعزز من مكانة المجلس كركيزة أساسية لدعم مسيرة التنمية والإصلاح، وفي الوقت ذاته يؤكد أن مجلس الشورى لا يقتصر دوره في كونه هيئة استشارية؛ إذ إنه شريك رئيس في صنع القرارات وتنفيذ السياسات. وقد حفل الخطاب الملكي بعدة مفاصل مهمة وراهنية؛ فقد جاء ضمنه تأكيد سمو ولي العهد على أن المواطن هو جوهر اهتمامات الدولة، باعتباره ركيزة وغاية رؤية المملكة 2030؛ وهو توجُّه أثبتت الأيام والمواقف والأزمات أنه ليس مجرد شعار، بل هو التزام عميق وجاد نحو تحقيق رفاهية المواطن وضمان أعلى معايير جودة الحياة. رؤية 2030 وضعت المواطن السعودي في قلب اهتماماتها، وسعت إلى تمكينه في كل المجالات، وهو ما أكده ولي العهد مرارًا من خلال توجيهاته وخططه التي تصب في خدمة المواطن، وكذلك إيمانه العميق بأن المواطن هو حجر الأساس في عملية النهضة؛ الأمر الذي يؤكد رؤيته بعيدة المدى التي تهدف إلى بناء مجتمع قوي ومتقدم، يقوم على المساواة والفرص العادلة للجميع.
ومن بين الرسائل الأوضح في الخطاب، كانت تلك المتعلقة بالقضية الفلسطينية، حيث أكد سمو ولي العهد على موقف المملكة الثابت والدائم في دعم حقوق الشعب الفلسطيني؛ وقد وجهها سمو ولي العهد للعالم أجمع بأسلوب قاطع باتر لا مساومة فيه ولا تراخي؛ وأنه لا مجال لأي علاقة مع إسرائيل إلا بعد تحقيق دولة فلسطينية مستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية. هذه الكلمات تعبر عن موقف متأصل في السياسة السعودية، التي لطالما كانت داعمة للشرعية الدولية والحقوق الفلسطينية. فالمملكة؛ ومنذ عقود، تعتبر القضية الفلسطينية مسألة محورية في سياستها الخارجية، وهي قناعة وإيمان لن تحيدا عنه؛ كما يعكس الخطاب الدور المحوري الذي تلعبه المملكة في تعزيز الأمن والاستقرار على المستوى الإقليمي والدولي. فيعلم الجميع أن المملكة كانت ولا تزال شريكاً رئيساً في ترسيخ دعائم السلم العالمي، من خلال مبادراتها السياسية والاقتصادية، وسعيها الدائم إلى حل النزاعات بطرق دبلوماسية، هذا الدور يأتي من إيمان المملكة بأهمية التعاون الدولي وتعزيز علاقات حسن الجوار والاستقرار في المنطقة.
في المجمل؛ الخطاب الملكي كان رسالة شاملة، تجمع بين الرؤية الداخلية والالتزام الخارجي، وتسعى إلى توطيد أركان دولة حديثة متكاملة الأركان، يقودها سمو ولي العهد بحنكة ووضوح رؤية نحو مستقبل أفضل للمملكة وللعالم العربي بأسره.
التعليقات