منذ اللحظات الأولى لتأسيس هذا الكيان الشامخ على يد المؤسس الراحل الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- كان من ضمن اهتمامه أن ينعم المواطنون بحياة كريمة وعيش رغيد، لذلك كانت الخدمات التي يحتاجها المواطنون تجد طريقها إليهم وذلك بالعمل على إيجادها وتطويرها، وكان على رأس تلك الخدمات بعد نشر الأمن واستتبابه الصحة والتعليم والاهتمام بالزراعة وإيصال مياه الشرب إلى كافة المنازل، فتم في عهد المؤسس استحداث العديد من الإدارات والمصالح الحكومية الخدمية مثل مصلحة الصحة العامة التي تم تأسيسها عام 1343هـ وكان مقرها مكة المكرمة، على أن تكون لها فروع أخرى في شتى المناطق، وبعد فترة وجيزة وتحديدًا عام 1344هـ أنشئت مديرية الصحة العامة والإسعاف للاهتمام بشؤون الصحة والبيئة والعمل على إنشاء المستشفيات والمراكز الصحية في جميع أنحاء المملكة، وما واكبه من إصدار اللوائح التنظيمية لضمان ممارسة مهنة الطب والصيدلة وفق عدد من الضوابط والمعايير التي أسهمت في تحسين قطاع الصحة وتطويره في المملكة، وبحلول عام 1346هـ تم افتتاح أول مدرسة للتمريض، وتلاها افتتاح مدرسة للصحة والطوارئ عام 1347هـ، وقد كانت الخدمة الصحية تقدم لسكان الرياض من مستوصف طيني متواضع أُنشئ عام 1347هـ ويسمى «الصحية»، كان يقع في حي القِري جنوب شرق سور الرياض القديمة، حيث يوجد مكانه الآن معهد الرياض العلمي، وكان في ذلك المستوصف طبيب أو طبيبان وأدوات بدائية وقليل من الدواء ويخلو من الأسرّة، كما كان يوجد بيت آخر يسمى «قصر الأشعة» في شارع الثميري به جهاز وحيد للكشف بالأشعة، وفي عام 1370هـ صدر المرسوم الملكي بإنشاء وزارة الصحة، ليتولى هذا الجهاز الإشراف الكامل على الشؤون الصحية بالمملكة، وكان صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله الفيصل -رحمه الله- أول وزير لها.

مجلس صحي

وبسبب تزايد الخدمات الصحية المقدمة التي تقدمها الدولة في جميع أنحاء البلاد، إضافةً إلى ما يتم تقديمه من خدمات صحية للحجاج، وبعد ازدياد أعداد المستشفيات والمراكز الصحية جاء إنشاء المجلس الصحي العام كأعلى هيئة إشرافية في البلاد، وقد تكوَّن المجلس من قيادات رفيعة المستوى بالمملكة، وكان التركيز الأكبر خلال تلك الفترة منصبًا على تطوير الخدمات الصحية ورفع كفاءات العاملين في هذا القطاع الحيوي المهم، إلى جانب مكافحة الأمراض والأوبئة المنتشرة آنذاك، وبعد انتشار المستشفيات في كل مدن المملكة تحسنت الخدمات الصحية المقدمة للمراجعين، حيث زودت هذه المستشفيات بكل ما يلزم لتقديم خدمة صحية متكاملة، وذلك بتوفير كل الأجهزة الطبية المباني التي تستوعب المراجعين، إضافةً إلى الطاقمين الطبي والإداري اللذين يسعيان لخدمة كل المرضى، وأصبحت المستشفيات تتنافس فيما بينها من أجل الارتقاء بالخدمات الصحية المتقدمة، وبات لكل مستشفى رسالة يتم نشرها في أروقته، وكذلك رؤية وتطلع لتقديم أفضل رعاية طبية.

حقوق المرضى

وقامت وزارة الصحة بتعريف المرضى بحقوقهم، وذلك بتسجيلها ونشرها في الأماكن التي يرتادها المرضى والمراجعون في كل المستشفيات الهدف منها الوصول إلى خدمة جميع المرضى بتعريفهم بحقوقهم وواجباتهم، وقد أسهمت تلك الخطوات الموفقة في الوصول إلى المنشود الذي تسعى الوزارة إلى تحقيقه، ومنذ ذلك الحين وإلى وقتنا الحاضر تحظى ووزارة الاهتمام بالمصابين بالأمراض المزمنة والتي تأتي في مقدمة أهم أسباب الوفاة في العالم، حيث تقف وراء حدوث أكثر من 63 % من مجموع الوفيات السنوية وفقاً لتقديرات منظمة الصحة العالمية، حيث تنفذ وزارة الصحة إستراتيجية وطنية للحد من انتشار الأمراض المزمنة ومعالجتها والتقليل من مضاعفاتها حيث قامت بتطبيق عيادات رعاية مرضى الأمراض المزمنة ضمن برامج الرعاية الصحية الأولية التي تطبق في المراكز الصحية.

خدمات متعددة

ودأبت وزارة الصحة منذ تأسيسها على تقديم العلاج للمرضى المراجعين للمستوصفات، ومن ثم بعد إنشاء المستشفيات تمت العناية بالمرضى وتنويمهم وعمل الفحوص اللازمة وإجراء العمليات، واستمرت وزارة الصحة في تطوير خدماتها إلى أن باتت خدماتها متعددة ولا تقتصر على مجرد الكشف على المريض وصرف العلاج له أو تنويمه بأحد أقسام المستشفيات، حيث إجراء الفحوصات الدقيقة المصحوبة بالتحاليل المختلفة وأنواع الأشعة، وإصدار تقرير إجراء عملية جراحية إذا كان الأمر يستدعي التدخل الجراحي إلى أن يتم شفاء المريض وخروجه من المستشفى محملًا بأنواع الأدوية التي سيحتاجها إلى أن يتم شفاؤه شفاءً تامًا، وبعد ذلك يتم تحديد مواعيد لمتابعة حالته الصحية ومدى استجابته للعلاج، فخدمات وزارة الصحة قد تعدت ذلك بكثير، وذلك من خلال إتاحة فرصة الحصول على الموعد لمراجعة المراكز الصحية والمستشفيات من خلال التطبيق الإلكتروني «موعد»، الذي يتيح للمريض أو المراجع أن يحصل على موعد في أقرب وقت بضغطة زر دون الحاجة إلى المراجعة لحجز موعد من المراكز الصحية والمستشفيات، كما أن توفير سرير في مستشفى متخصص بحالات حرجة يستدعي الحاجة إلى نقلها بات ميسرًا وفي الحال دون مشقة الانتظار لتوفير سرير، فقد جاء برنامج «إحالة» حلًا جذريًا لهذه المعضلة التي كانت تؤرق المرضى ومرافقيهم، حيث سهّل هذا البرنامج المرتبط بالمستشفيات كافة في كل منطقة توفير سرير لأي حالة حرجة، حيث يتم ذلك عبر تسجيل الحالة تحت مسمى «إنقاذ حياة» لتأتي الموافقة في دقائق بعدما كانت تستلزم ساعات بل أيامًا.

زيارات منزلية

ولم تقتصر الرعاية في المستشفيات على رعاية المرضى في المستشفى، بل تعدت ذلك إلى رعاية من يشق عليهم الحضور إلى المستشفى من كبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة في منازلهم، حيث تم تخصيص طاقم طبي متخصص في كل مستشفى للقيام بالزيارات المنزلية للمرضى العاجزين، وتقديم كل الخدمات الصحية لهم في أماكن إقامتهم، وأخيرًا فقد أطلقت وزارة الصحة في وقت سابق خدمة الاتصال بالرقم 937 لخدمة المرضى وذويهم، ومتابعة رضا المواطنين عن الخدمات الصحية المقدمة، وتقديم الاستشارات الصحية العاجلة لهم، حيث يعمل على مدار اليوم، ويضم عددًا من المختصين في الإسعاف والطوارئ، إضافةً إلى أطباء للرد على استفسارات واتصالات المستفيدين من الخدمة، وإحالة الاستفسارات المتخصصة منها إلى استشاريين للرد عليها.

أمراض مزمنة

وتسعى وزارة الصحة منذ تأسيسها إلى تقديم خدماتها العلاجية لكافة شرائح المجتمع ومن هؤلاء أصحاب الأمراض المزمنة، فالمرض المزمن هو حالة مرضية أو مرض دائم أو طويل الأمد في آثاره أو مرض يأتي مع الوقت ويتقدم بشكل بطيء، ويستمر هذا المرض غالباً لمدة ثلاثة أشهر أو أكثر، وتشير منظمة الصحة العالمية إلى أن الأمراض المزمنة لا تنتقل من شخص لآخر، ويعتبر المرض المزمن هو المسؤول عن 60 % من جميع الوفيات في جميع أنحاء العالم، إذ تحدث 80 % من وفيات الأمراض المزمنة في البلدان المنخفضة ومتوسطة الدخل، وتحدث حوالي نصف وفيات الأمراض المزمنة في الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 70 عاماً، وتصيب الأمراض المزمنة الرجال والنساء بالتساوي تقريباً على مستوى العالم، ولا يمكن الوقاية من الأمراض المزمنة بشكل عام عن طريق اللقاحات أو معالجتها بالأدوية، كما أنها لا تختفي ولكن يمكن التعايش مع هذه الأمراض وإدارة أعراضها، وتشير الوزارة إلى أن التغير السريع في أسلوب المعيشة وأنواع الغذاء وأنماط التغذية أدى إلى انتشار مجموعة من الأمراض غير السارية -الأمراض المزمنة- مثل السكري وضغط الدم وأمراض القلب والسمنة وارتفاع الدهون في الدم وغيرها، وأكدت أن هذه الأمراض ظلت في بؤرة الاهتمام وفرضت على الهيئات العلمية والجهات المختصة بالشؤون الصحية استنفار البحوث والدراسات والجهود والموارد لوضع الخطط لمحاصرة ومكافحة هذه الأمراض، حيث حدث تغير كبير وواضح في نمط الأمراض المنتشرة في المجتمعات.

مراكز متخصصة

ومن أجل ذلك قامت وزارة الصحة بإنشاء مراكز متخصصة لمعالجة هذه الأمراض المزمنة وعلى رأسها مرض السكري، حيث تم إنشاء المركز الوطني للسكري لتنظيم خدمات السكري على مستوى المملكة، تحقيقاً لرؤية المملكة 2030 التي تطمح إلى الوصول بخدمات مصابي داء السكري إلى مصاف الدول المتقدمة، ويوجد بوزارة الصحة إدارة مختصة وضعت لمراكز مرض السكري بالإدارة العامة للمستشفيات التابعة لوزارة الصحة ومهامها الإشراف المباشر على المراكز والوحدات، حيث تقوم بوضع المعايير وتحديد الاحتياجات من القوى العاملة وتحديثها بصفة دورية ووضع اللوائح والأنظمة التي تضمن تحسين الأداء والمهام، ويحيي المركز الوطني لمكافحة الأمراض اليوم العالمي لمرض السكري، الذي يصادف الرابع عشر من نوفمبر كل عام، ويهدف هذا الحدث إلى زيادة الوعي حول هذا المرض الذي يشكل تهديدًا متزايدًا على صحة الأفراد والمجتمع على النطاق العالمي، ويسلط الضوء على ضرورة اتخاذ التدابير اللازمة للوقاية منه والسيطرة عليه.

توعية وتثقيف

ويبلغ عدد مراكز السكري الموجودة بالمملكة 26 مركزاً منتشرة في عدد من مستشفيات المناطق والمدن، وتقوم بأدوارها التشخيصية والعلاجية لمرضى السكري، ولم تغفل وزرة الصحة الجانب التثقيفي، حيث تم بهذا الصدد إنشاء جمعية السكر والغدد الصماء والتي تهدف إلى توعية وتثقيف المجتمع بأهمية مكافحة الإصابة بالسمنة والسكري وطرق الوقاية، والمساعدة على تغيير نمط الحياة لنمط حياة صحي أفضل، وهي منظمة غير حكومية وغير ربحية، وتهدف البرنامج في المقام الأول إلى رفع الوعي الصحي لمرضى السكري على مستوى المملكة نحو كيفية التحكم المثلى في مستوى السكر في الدم تفاديًا للمضاعفات المعروفة والمثبتة علميًّا لمرض السكري، إضافةً إلى توعية بقية شرائح المجتمع غير المصابين بالمرض بطرق الوقاية من المرض، وكذلك التعريف بالخدمات الوقائية والعلاجية التي تقوم بها الوزارة في هذا المجال.

في الماضي افتتحت المراكز الصحية بكل المناطق
فريق الرعاية الصحية المنزلية لمن لا يستطيع الذهاب للمستشفيات
تطور المستشفيات لاستقبال الحالات المرضية
نجاح كبير للعمليات الجراحية داخل مستشفيات المملكة
إعداد: حمود الضويحي