تُعد التجارة من المهن القديمة التي عرفها الإنسان على مر العصور، فمن خلالها استطاع المقايضة بما لديه من سلع بأخرى يحتاجها في حياته اليومية قبل معرفة النقود، وبعد سك النقود واعتماد الناس عليها في تعاملاتهم التجارية زاد العمل في التجارة، وبات لها فنون وطرق لكسب لقمة العيش. واستمرت التجارة بمعناها البسيط على مر العصور، وفي بلادنا كانت التجارة في الماضي القريب تزاول في جو تسوده البساطة، حيث كان البيع والشراء في أسواق البلدان التي تتوسطها في دكاكين صغيرة الحجم متراصة مبنية من اللبن والطين بأبواب خشبية مصنوعة من جذوع النخل وشجر الأثل، وتعرض في تلك الدكاكين عدد من السلع الأساسية كالقمح والشعير وبعض الأواني وشيء قليل من الأرزاق التي كانت شحيحة في الأسواق، وهي مما يستورد من خارج البلاد كالقهوة والهيل والسكر والأرز، وفي الساحة التي تحيط بتلك الدكاكين الصغيرة يأتي من لم يكن له دكان أو من كان من خارج البلد ببضاعته ويفترش الأرض ويعرضها على المارة، وغالباً ما تكون تلك البضائع من محاصيل ثمار المزارع الصغيرة وعلى رأس تلك المحاصيل التمور، أو من منتجات الألبان كالسمن والأقط أو من الماشية أو الحطب، وبعد أن تم اكتشاف النفط وتم إنتاجه بكميات تجارية تحسن الوضع الاقتصادي في البلاد، وفتح الباب على مصراعيه لاستيراد السلع على اختلافها، فبدأت التجارة في النمو والازدهار، فأنشئت الأسواق وافتتحت المؤسسات التجارية والشركات، وازدهرت التجارة، وصاحب ذلك نشأة المنافسة بين التجار في كسب الكثير من الزبائن والعملاء.

صدق التعامل

كانت السلع المعروضة قديماً تكاد تكون نفسها هي التي تعرض في المحال الأخرى، وكان التجار يقومون بجذب المشترين بأسلوبهم في البيع والشراء من خلال الصدق في التعامل والنصح للزبائن بمساعدتهم في اختيار الجودة والسلعة المناسبة بالسعر المناسب، ولم يكن هناك بين التجار مصطلح خدمة ما بعد البيع، فقد كان التاجر يبيع السلعة ويقبض الثمن وينتهي دوره فقط، بحيث لا يضمن جودة السلعة أو يقوم بتبديلها عند وجود عيب فيها بعد استخدامها، وكان جل السلع لا يخضع للضمان، ولم تكن هناك جهة حكومية تختص بتنظيم التجارة في بلادنا في البدايات، فأمر الملك عبدالعزيز –طيب الله ثراه- 1344هـ بتشكيل هيئة تجارية تحت مسمى «مجلس التجار»، حيث كانت تهتم بفض الخلافات بين التجار، ثم صدر نظام تسجيل الشركات الذي استحدث معه مسمى وظيفي جديد مرتبط بالنائب العام تحت مسمى «مسجل شركات»، وكان النظام يلزم تسجيل جميع الشركات التجارية والجمعيات عند مسجل الشركات.

تطور كبير

وفي رجب 1373هـ أنشئت وزارة التجارة في عهد الملك سعود –رحمه الله–، ومرت الوزارة بعدة مسميات منذ تأسيسها، ففي 1975م أُلغي مسمى وزارة التجارة وصدر بذلك أمر ملكي بتغييره إلى وزارة الصناعة والكهرباء، وفي عام 2003م نُقل القطاع الصناعي إلى وزارة التجارة، وعدل مسماها إلى وزارة التجارة والصناعة، وفي عام 2016م تم تعديل مهام الوزارة وتغيير مسماها من وزارة التجارة والصناعة إلى وزارة التجارة والاستثمار، وفي 2020م تم تغير مسمى الوزارة إلى وزارة التجارة. وقد شهدت التجارة في عصرنا الحاضر تطوراً كبيراً، حيث ظهرت التجارة الإلكترونية، كما شهدت الشركات والمؤسسات التجارية والمحال والمطاعم سباقاً محموماً من أجل الاستحواذ على أكبر عدد ممكن من العملاء فظهر ما يسمى بـ»العناية بالعملاء»، من أجل نيل حصة كبيرة منهم، وبالتالي زيادة الأرباح السنوية لضمان نجاح العمل التجاري، وفي 1445هـ أصدرت وزارة التجارة «دليل التاجر» الاسترشادي ﻟﻴﻀـــﻊ ﻣﺠﻤﻞ الضوابط اﻟﺘﻲ ﺗﻀﻤﻦ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﺘﺎﺟر والحكومة ﻣﻦ جانب والتاجر والمستهلك من جانب آخر، وتأمل وزارة اﻟﺘﺠﺎرة أن يكون هذا الدليل بداية لتأسيس ﻋﻼﻗﺔ واﺿﺤﺔ لأطراف اﻟﻌﻤﻠﻴﺔ اﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ، ويصب ﻓﻲ ﻣﺼﻠﺤﺔ قطاع اﻟﺘﺠﺎرة ويرتقي ﺑﻬﺎ إﻟﻰ مستويات اﻟﻤﻨﺎﻓﺴﺔ الدولية.

ربح معقول

ودائماً ما تحمل البدايات لأي عمل البساطة، وهو ما بدأت به التجارة في بلادنا، حيث كان يذهب كل من يريد أن يتاجر إلى السوق فيعرض سلعته فيبيعها، ومن كانت لديه سلع كثيرة كان يستأجر أحد المحال في السوق، ومن ثم يبدأ في عرض تجارته فيبيع ويشتري، ولم يكن هناك رقيب على الأسعار أو الموازين، وذلك لأن الناس يحرصون كل الحرص على العمل بأمانة وإخلاص ورأس مال أكثرهم في السوق السمعة الطيبة وعدم الغش، كما لم يكن هناك تصاريح كرخصة افتتاح محل تجاري، حيث لم يطلب من أصحاب المحال رخص إلاّ بعد أن افتتحت البلديات، كما كان أصحاب الدكاكين يقومون بالذهاب إلى المدن بسياراتهم من أجل شراء سلعهم من تجار الجملة القليلين في كل مدينة، ومن ثم يعودون أدراجهم إلى بلدانهم وقراهم ومن ثم يبيعون بالتجزئة بربح معقول وغير مبالغ فيه، حيث تكاد أسعار السلع التموينية والكماليات موحدة في جميع المناطق، بحيث لا يتجاوزون سقف الربح الذي يحدده لهم بائع الجملة، وفي عصرنا الحاضر بات صاحب المحل التجاري يشتري سلعة من تجار الجملة الذين يؤمنون طلبه بالهاتف لتصله السلعة إلى محله دون العناء وإحضار البضاعة، كما يقوم وكيل كل تاجر من تجار الجملة ومناديبهم بالمرور على أصحاب المحال التجارية وتأمين احتياجاتهم بصورة دورية تغنيهم عن الذهاب إلى سوق الجملة والتبضع منه.

مصطلح جديد

ومع التطور التقني الذي شمل كافة مناحي الحياة ظهر ما يعرف بمفهوم «التجارة الإلكترونية»، وهو مصطلح جديد في عالم الاقتصاد ظهر مع انتشار الإنترنت في بداية التسعينات من القرن العشرين، وهي عملية بيع وشراء البضائع والخدمات عبر الإنترنت، إذ يمكن لعملاء التجارة الإلكترونية إجراء عمليات شراء من أجهزة الكمبيوتر الخاصة بهم بالإضافة إلى نقاط الاتصال الأخرى، بما في ذلك الهواتف الذكية والساعات الذكية والمساعدات الرقمية، وتعتبر التجارة الإلكترونية شكلاً من أشكال التبادل التجاري من خلال استخدام شبكة الاتصالات بين مؤسسات الأعمال مع بعضها البعض، ومؤسسات الأعمال وزبائنها، أو بين مؤسسات الأعمال والإدارة العامة، وبعد الانتشار الواسع للتجارة الإلكترونية في السنوات الماضية فقد صدر قرار من مجلس الوزراء بإقرار نظام التجارة الإلكترونية والموافقة عليه في 9 يوليو 2019م، لما سيمثله ذلك النظام من تعزيز لموثوقية التجارة الإلكترونية، مما سيساهم في الاقتصاد الوطني، محققاً في ذلك أهداف رؤية المملكة 2030، كما سيحفز ذلك النظام أنشطة التجارة الإلكترونية على مستوى المملكة، ويشتمل على العديد من الأحكام المتعلقة بالتجارة الإلكترونية، وتنظيم ممارستها، ومن تلك الأحكام توضيح بيانات التواصل وخصائص المنتج أو الخدمة الإلكترونية، وحماية بيانات المتسوق الإلكتروني، وتنظيم الإعلانات التجارية الإلكترونية، ومعالجة الجوانب المتعلقة بتأخر التسليم، وكذلك الالتزام بأحكام المهن المرخصة، وسحب وحجب الإعلانات المخالفة، وأخيراً الأحكام الخاصة بمقر عمل موفر أو مقدم الخدمة الإلكترونية.

خدمة عملاء

وخدمة العملاء تعني الدعم أو المساعدة الذي يقدمه البائع لعملائه قبل وبعد شراء واستخدام منتجاته أو خدماته، والذي بدوره يسهل تجربتهم ويضمن تكرارها ويضمن رضا العميل، وبذلك يحتفظ بالعملاء وينمو عمله ويزدهر، ففي السابق كان العميل يختار المنتج أو الخدمة بناءً على السعر الأقل، لكن حاليًا أصبحت تجربة العميل ورضاه هي السبب الرئيس للتعامل مع شركة دون غيرها، وقبل أن ينتشر استخدام الهاتف على نطاق واسع، كانت خدمة العملاء تقدم إلى حد كبير بصفة شخصية أو عبر البريد، وبعدما انتشر الهاتف بين الناس تم إطلاق أول مركز لخدمة العملاء، وهذا أعطى المؤسسات فرصة جديدة للتميز في المنافسة من خلال توفير خدمة عملاء أفضل وأسرع عبر الهاتف، وكان هذا في ستينات القرن الماضي، أي مع بداية الثورة الصناعية، فزيادة الصناعات احتاجت طريقة لتواصل العملاء مع المصانع أو الشركات لإبداء رأيهم بالمنتج أو الطلب، أو كأن تتواصل المؤسسة مع العميل لأخذ رأيه أو إخباره بمنتجات جديدة وإلى ما غير ذلك، ومع انتشار الإنترنت بدأت خدمة العملاء اتخاذه كأسلوب إضافي للهاتف لنشر خدماتها، إذ لا يمكن للعملاء الاتصال عن طريق طرح الأسئلة فحسب، بل يمكنهم أيضًا الانتقال إلى موقع الشركة على الويب وإرسال بريد إلكتروني، أو بإمكانهم التفاعل مع أحدث التقنيات، مثل روبوتات الدردشة.

ذكاء اصطناعي

وفي منتصف الألفية بدأت مواقع التواصل الاجتماعي بالظهور مثل «فيس بوك» و»تويتر» -X حالياً- كوسيلة جديدة يمكن للعملاء من خلالها التفاعل مع الشركات، وفي الآونة الأخيرة عملت التقنيات الناشئة مثل الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء (IoT) على توسيع فرص خدمة العملاء بسرعة بمساعدة تطبيقات الهواتف الذكية، وتكتسب خدمة العملاء أهمية كبيرة في عالم التجارة اليوم، حيث تخسر الشركات مليارات الدولارات جراء توقف العملاء عن التعامل معها، والسبب هو تجربة العميل غير المرضية، لذا من الضروري أن تنظر الشركات إلى كافة أشكال التفاعل بين العميل وخدمة الدعم بوصفها فرصةً لزيادة المبيعات، أو اقتناء العملاء والاحتفاظ بهم، وتعمل خدمة العملاء الجيدة على توليد الإيرادات، وتمنح العميل تجربةً كاملةً ومتكاملةً تتماشى مع أهداف الشركة أو المنظمة.

تجارة زمان بدأت بدكاكين الطين الصغيرة
وزارة التجارة ساهمت في تنظيم الأسواق وحفظ الحقوق
إطلاق دليل التاجر كمرجع لأنظمة العمل التجاري
التجارة الإلكترونية مفهوم جديد في عالم التجارة اليوم
إعداد: حمود الضويحي