وصف السفير الفرنسي في الرياض لودوفيك بويّ التغييرات التي شهدتها المملكة تحت مظلة رؤية 2030 في جميع المجالات بأنها «مذهلة وسريعة»، واصفاً رؤية المملكة بأنها عبارة عن برنامج واسع وطموح، استهدف في البداية إجراء الإصلاحات في عموم المملكة، وترسيخ التحديث في جميع القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، تحت قيادة صاحب السموّ الملكيّ ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
وقال بوي، الذي يستعد لمغادرة الرياض بعد انتهاء فترة عمله في المملكة، إنه كان شاهداً وزملاؤه في السفارة الفرنسية، على حجم التحولات الجذرية التي حدثت في المملكة خلال فترة عمله، التي استمرت أربع سنوات، مشيراً إلى أن وتيرة التطور في المملكة كانت بعيد المدى، وكأنها تستشرف المستقبل، فضلاً عن كونها كانت تمضي بسرعات مُذهلة.
وأشاد بوي بالقادة السعوديين الذين يقودون مسيرة التغيير والإصلاح في المملكة، واصفاً إياهم بأنهم طموحون وحريصون على النهوض بوطنهم، ملمحاً بأن تطور المملكة تنبأ به الرئيس الفرنسي ماكرون، خلال زيارته إلى جدة عام 2021، إذ أعلن أن «المملكة تشهُدُ ثورة اقتصادية وثقافية وفكرية، وسيكون لها تأثير إيجابي في جميع أنحاء العالم».
لم ينسَ السفير الفرنسي في حواره مع «الرياض» أن يشيد بتطور العلاقات السعودية - الفرنسية، في قطاعات كثيرة، مثل: الاقتصاد والسياحة والثقافة والنقل والطيران، وقال: إن التشابه والتآزر بين رؤية 2030 السعودية وخطة 2030 الفرنسية المماثلة، عزز من تلك العلاقات، نظراً لتشابه الطموحات بين الشعبين الصديقين، متوقعاً تنامي هذه العلاقات بشكل متسارع في جميع المجالات.. وهنا نص الحوار:
إنجازات المملكة تحت مظلة رؤية 2030 دفعتني لمضاعفة نشاطي الدبلوماسي
سعادة السفير.. ما تقييمك لمستوى العلاقات بين المملكة وفرنسا حتى اليوم..؟
خلال السنوات الأربع التي قضيتها كسفير لفرنسا لدى المملكة شَهِدتُ تجديد العلاقات بين فرنسا والمملكة العربية السعودية. وقد تمكنا بفضل العديد من أوجه التعاون بيننا من بناء علاقات ثقة مثمرة، عادت بالنفع على إشعاع المملكة العربية السعودية لدى الفرنسيين، وكذلك إشعاع فرنسا لدى السعوديين.
لقد أتيحت لي الفرصة لرؤية المملكة العربية السعودية وهي تتحول بفضل برنامج واسع وطموح للإصلاحات والتحديث في جميع القطاعات، الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، في إطار برنامج رؤية السعودية 2030، بقيادة صاحب السموّ الملكيّ ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز.
كما واكَبتُ التغيرات المذهلة، من خلال الزيارات الميدانية واللقاءات وتبادل الآراء مع الشخصيات السعودية المشاركة في هذه العملية غير المسبوقة، ليس على مستوى المنطقة فحسب، بل على مستوى تاريخ البلاد. وإنني أشيدُ بالزخم الذي اتسمت به علاقاتنا الثنائية في السنوات الأخيرة.
إن علاقاتنا تنظُرُ إلى المستقبل أكثر من أي وقت مضى، فهي ثمرة رؤية مشتركة واسعة النطاق من أجل التنمية والتعليم والثقافة وحماية البيئة، وهي غنيّة ومتنوعة، لقد أنشأنا شراكات اقتصادية ومشاريع تعاون في جميع المجالات، بما في ذلك الطاقة والمياه والبيئة والنقل والخدمات اللوجستية والسياحة والترفيه والثقافة والرياضة والصحة والأغذية الزراعية والتقنيات الجديدة والملاحة الجوية والفضاء، فضلاً عن الخدمات المالية والاستثمارات، هناك العديد من أوجه التآزر بين خطة فرنسا 2030 ورؤية السعودية 2030، وكلاهما يخدم شبابنا، طموحاتنا لا تعرف حدودًا.
ماذا عن الجوانب الاقتصادية وحجم التبادل التجاري بين البلدين؟
تزدهر العلاقات الاقتصادية بين فرنسا والمملكة العربية السعودية في جميع القطاعات، لا سيما في القطاعات الرئيسة لخطة التحول الاقتصادي في المملكة العربية السعودية. وهدفنا يَكمُنُ في دعم التحول الذي تشهده المملكة في إطار رؤيتها 2030.
في عام 2023، بلغ إجمالي تجارة السلع بين فرنسا والمملكة العربية السعودية 9.5 مليارات يورو، وفقًا لبيانات الجمارك الفرنسية، بزيادة قدرها 18 % مقارنة بسنة 2016، تاريخ إطلاق رؤية السعودية 2030.
استمرت الصادرات الفرنسية إلى المملكة العربية السعودية في النمو منذ عام 2019، بفضل الصناعات المختلفة، وبلغت 4.2 مليارات يورو في 2023.
بدايةً، مكّنت ديناميكية قطاع الطيران لدينا، والخبرة الفرنسية، من مضاعفة صادراتنا مرّتين في هذا القطاع سنة 2023 مقارنة بسنة 2021. كما أشيد بالصفقة التي تمّ توقيعها مؤخراً بين مجموعة الخطوط الجوية السعودية وشركة Airbus لشراء 105 طائرات من طراز A320 وA321 في 20 مايو 2024.
زوجتي وبناتي تأثرن بكرم ضيافتكم الأسطوري
هناك تعاون قوي بين البلدين في جوانب فنية وثقافية.. حدثنا هذا الجانب.
الثقافة ركيزة مهمة في علاقاتنا الثنائية، وقد تم إثراؤها من خلال خبراتنا ومبادراتنا المشتركة في مجالات مثل: الموضة، والهندسة المعمارية، والفن، والتعليم.
خلال فترة مَهمّتي في المملكة العربية السعودية، سلّطتُ الضوءَ على أهمية الثقافة في تطوير علاقاتنا الثنائية، وقد تم تنظيم العديد من اللقاءات، ما أدى إلى إنشاء منصة مشتركة للتعاون بين الفنانين السعوديين والفرنسيين بإمكانيات هائلة. ومؤخراً، نظمنا "أيام الموضة" التي التقى خلالها فنانون فرنسيون وسعوديون لتبادل الخبرات والتفكير في التعاون المستقبلي في مجال الموضة، كما نستضيف حالياً معرضاً عن الرياضة في دار فرنسا، هذان مجرد مثالين يظهران إيقاع تعاوننا الثقافي الثري.
وفي مجال التعليم، تم توقيع العديد من الشراكات مع المدارس والجامعات، ما يتيح تبادلًا فكريًا ثريًا بين بلدينا. كل سنة، يختار نحو 600 سعودي المدارس الفرنسية للدراسة فيها، كما أننا ندعم العديد من المبادرات التعليمية في المملكة العربية السعودية، شباب اليوم هم عناصر التغيير في المستقبل الذين سيقودونَ تطوّر بلدينا الهائل.
تعتبر منطقة العلا من أقوى مكونات التعاون في مجالات عدة.. وهناك سياح وطيران مباشر من باريس.. ماذا عن هذا الجانب؟
شراكتنا مع العلا فريدة من نوعها أقمناها، منذ 2018 لتطوير منطقة العلا بطريقة مستدامة ومبتكرة، وهي مثال رائع لما يمكننا القيام به وإنجازه معًا. وأود أن أشيد على وجه الخصوص بالعمل المشترك الذي قامت به الوكالة الفرنسية لتطوير العلا (AFALULA) والهيئة الملكية لمحافظة العلا خلال السنوات الأخيرة.
تُعدّ العلا مثالًا يحتذى به للتأثير الثقافي السعودي، وفرنسا فخورة بإسهامها بتطوير هذه المنطقة، علم الآثار هو الركيزة التاريخية للتعاون الثقافي الفرنسي السعودي في العلا، تتوزّع في العلا سبع بعثات أثرية فرنسية، بين مواقع الحِجر ودادان وخيبر والمدينة القديمة والواحة، بالإضافة إلى بعثتين متعدّدتّي الوظائف. وتؤدّي هذه البعثات دورًا مهمًا في تدريب علماء الآثار السعوديين الشباب، وفي الكشف عن تاريخ المنطقة، وفي جهود المملكة العربية السعودية لإدراج المزيد من المواقع على قائمة التراث العالمي لليونسكو.
في القطاع الثقافي، تم التوقيع على عدد من الاتفاقيات والعقود الرئيسة، ما يؤكد أهمية الشراكة الفرنسية السعودية. وفي ديسمبر 2021، تم التوقيع على اتفاقية حكومية لإنشاء مجمع ثقافي فرنسي سعودي مرموق، "فيلا الحجر"، التي تربط العلا بشبكة "الفيلات" الأخرى (Médicis, Kujoyama, Velasquez…)، (ميديتش، كوجوياما، فيلاسكيز.. إلخ).
وقد أدت الشركات الفرنسية في الأشهر الأخيرة دورًا رئيسًا في تطوير مشروع العلا، حيث تم توقيع اتفاقيات رئيسة بين الهيئة الملكية لمحافظة العلا وعدد من الشركات الفرنسية في مبادرة مستقبل الاستثمار FII والتي ستشهد تنفيذ مشروع ترامواي كهربائي من قبل شركة ألستوم، وتعزيز نظام الأمن المدني من قبل شركة تاليس، وإدارة المياه والنفايات بالشراكة مع شركة سويز.
نرحب بالسعوديين في فرنسا.. وأصدرنا 50 ألف تأشيرة منذ يناير الماضي
ما حجم السياحة السعودية في فرنسا؟ وما أهمية التوجهات الأخيرة الخاصة في تأشيرة الشنغن من سفارة فرنسا في رفع عدد السياح السعوديين؟
تشهد حركة السياحة السعودية إلى فرنسا نموًّا مستمرًا، ونحن طبعًا سعداء بذلك، وقد أسهمت القرارات الأخيرة لتبسيط إجراءات تأشيرة شنغن في تسهيل سفر السياح السعوديين بشكل كبير، ما أدّى إلى زيادة عددهم. تُعد فرنسا وجهة رائجة بسبب غناها الثقافي والتاريخي، ويسعدنا أن نرحب بالمزيد من الزوار السعوديين كل سنة.
على سبيل المثال، أصدرت سفارة فرنسا في الرياض بالفعل أكثر من 50 ألف تأشيرة منذ يناير 2024، بزيادة أكثر من 40 % مقارنة بسنة 2023، وهذا يشهد على جاذبية فرنسا المتزايدة لدى السعوديين.
لقد عملت خلال فترة مهمّتي في المملكة وبمساعدة فريق سفارة فرنسا، على تسهيل الإجراءات لضمان تقديم أفضل خدمة ممكنة لأصدقائنا السعوديين الذين يزورون فرنسا بأعداد كبيرة على مدار العام. وعلى وجه الخصوص، دعمت فرنسا جميع الخطوات التي تم اتخاذها على المستوى الأوروبي والتي أدت إلى اتخاذ قرار في أبريل 2024 بإصدار تأشيرة شنغن لمدة خمس سنوات مباشرة للمواطنين السعوديين.
تقام دورة الألعاب الأولمبية هذا العام في فرنسا بعد عدة أيام.. ما الاستعدادات لذلك؟
نعم، تستعد فرنسا بحماس لاستضافة الألعاب الأولمبية والبارالمبية التي تعد من الأحداث الكبرى لبلدنا. إن هذا الاحتفال بالرياضة العالمية فرصة لتعزيز قيم تجاوز الذات والأخوة والاحترام. وأود أن أنتهزَ هذه الفرصة لأتمنى لجميع الرياضيين التوفيق والنجاح، خاصة الرياضيين السعوديين الذين سيشاركون في هذه الألعاب. وستكون هذه الألعاب منبراً لتعزيز الوحدة والصداقة بين الشعوب.
في دار فرنسا في الرياض، نحتفل بالفعل بهذه القيم الأولمبية من خلال معرض يضم 25 صورة تبرز الأخوة والتسامح في الرياضة.
وأخيراً، نأمل أن يتم التوصّل إلى هدنة أولمبية هذا الصيف، باسم القيم الإنسانية المشتركة، التي يحتاجها العالم. فالحروب المستعرة في أوكرانيا وفلسطين والسودان، على سبيل المثال لا الحصر، يجب أن تنتهي. لقد حان الوقت لإعادة بناء السلام.
سأغادر المملكة ولي فيها ذكريات لا تنسى
يعتبر سعادتكم من أكثر السفراء نشاطاً وتجولاً في مناطق ومدن المملكة.. حدثنا عن هذه التجربة؟
لقد كانت فترة تأدية مهامي كسفير فرنسا لدى المملكة العربية السعودية تجربة غنيّة للغاية، فحيويتي وحيوية فريق فرنسا في المملكة هي انعكاس لهذا البلد الذي يمضي قدمًا بسرعة مذهلة! لقد أتيحت لي الفرصة لأرى عن كثب التحولات بعيدة المدى التي تحدث في البلاد في إطار رؤية السعودية 2030. كما التقيتُ قادة سعوديين شباب لامعين وطموحين وواكَبتُ نجاحاتهم في مختلف المجالات. وقد سمح التزامي الكبير بالمشاركة في تعزيز العلاقات الثنائية والإسهام في مشاريع مهمة، لا سيما في القطاعات الاقتصادية والثقافية والتعليمية.
وكما قال الرئيس ماكرون خلال زيارته إلى جدة في عام 2021، "تشهُدُ المملكة العربية السعودية ثورة اقتصادية وثقافية وفكرية، وسيكون لها تأثير إيجابي في جميع أنحاء العالم". دفعني المجتمع السعودي الشاب والحيويّ والمبتكر لمضاعفة نشاطي لمواكبة وتيرته السريعة.
ما المنطقة التي أعجبتك وتتوقع أن تعود إليها حتى بعد مغادرتكم المملكة؟
لا شك في أن منطقة العلا هي إحدى المناطق المفضلة لدي، وقد زرتها أكثر من عشرين مرة خلال السنوات الأربع الماضية، فمناظرها الخلابة وتراثها التاريخي وحيويتها الثقافية تجعلها مكاناً فريداً وملهماً. لقد انطبعَ في ذهني غروب الشمس الساحر وكرم ضيافة السكان المحليين. أتطلع إلى العودة إلى العلا لاستعادة هذه اللحظات الثمينة.
من الدرعية إلى البلد في جدة، ومن العلا إلى أبها ورجال ألمع، ومن جزر فرسان إلى الأحساء، ومن بريدة إلى الطائف، ومن حافة العالم إلى وادي الديسة، هذه البلاد مليئة بالكنوز التي لا بدّ اكتشافها. أنا على ثقة بأن العالم سيهرع قريباً إلى المملكة العربية السعودية لاستكشافها. على أي حال، سأعود، وأحث الفرنسيين على عدم التردد للحظة واحدة: تعالوا إلى المملكة العربية السعودية!
سعادتكم يغادر المملكة قريباً حدثنا عن السنوات التي قضيتها في المملكة؟
خلال السنوات الأربع التي قضيتها في الرياض، شهدت التحول السريع والمذهل للمملكة العربية السعودية. ولديّ ذكريات لا تُنسى في هذا البلد، لا سيما عن السعوديات الطموحات والموهوبات اللواتي يحققن النجاح في كل مجال، مثل: ريانة برناوي، أول امرأة عربية تذهب إلى الفضاء. لقد شهدتُ تطوّر المملكة العربية السعودية مع الحفاظ على تقاليدها العريقة، وكان للمناظر الطبيعية الرائعة والثراء الثقافي وكرم ضيافة السعوديين تأثير عميق على إقامتي.
لقد تميزت هذه السنوات بلقاءات ثرية واكتشاف كنوز المملكة التاريخية والطبيعية. لقد تأثرنا زوجتي وبناتنا الثلاث وأنا كثيراً بكرم ضيافتكم الأسطوري واستعدادكم لمشاركة تراثكم الثقافي.
"الثقافة" ركيزة مهمة في علاقات المملكة وفرنسا.. ومنطقة العلا أكبر دليل
يحل يوم الباستيل (اليوم الوطنيّ الفرنسيّ) الذي يصادف الرابع عشر من شهر يوليو.. ماذا يمكن أن تقول سعادة السفير؟
كان لي عظيم الشّرف وأسعدني كثيرًا الترحيب بأصدقائي السعوديين وأعضاء السلك الدبلوماسي في دار فرنسا للاحتفال معاً بالعيد الوطني الفرنسي. كان هذا الاحتفال الرابع مؤثراً بصورةٍ خاص بالنسبة لي. تمكنت مرة أخرى من رؤية مدى حب السعوديين لفرنسا، ليس من أجل السياحة فحسب، بل أيضًا من أجل أفكار الحرية والتسامح التي تمثلها فرنسا.
يتزامن الاحتفال هذه السنة مع بداية الألعاب الأولمبية والبارالمبية، ما يدل على التزامنا بالتنوع الثقافي والصداقة بين الشعوب.
أود أن أشكر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وصاحب السموّ الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز وليّ العهد ورئيس مجلس الوزراء، على دورهما الاستثنائي في تعزيز الصداقة الفرنسية السعودية.
وختاماً، أود أن أعرب عن خالص امتناني لأصدقائنا وشركائنا السعوديين الأعزاء على ترحيبهم الحار وصداقتهم الحقيقية، وللجالية الفرنسية التي تضُمّ 7000 فرنسيّ وفرنسيّة، الذين يوطدون الشراكة الفرنسية السعودية بشكل يومي. لقد عززنا معاً العلاقات الثنائية وأسهمنا في العديد من المشاريع التي تعود بالنفع لبلَدينا.
التعليقات