يوم الاثنين الماضي انتهى المؤتمرالاقتصادي العالمي الذي أقيم في منطقة البحر الميت بالأردن. وقد اجتمع فيه أكثر من 1000مسؤول دولي تباحثوا في شتى القضايا الاقتصادية والسياسية (من تأثير الانتفاضة على إسرائيل إلى التشكيك بوفاة صدام ودخول أمريكا كعضو في الأوبك) .. غير أن هناك موضوعاً - قديماً جديداً - لم يحظَ بما يستحق من التركيز الإعلامي. فقد تباحثت الأطراف المشاركة في إمكانية شق قناة ملاحية جديدة بين ميناء العقبة - على البحر الأحمر - إلى البحر الميت بطول 108كيلومترات. وهو موضوع سبق تداوله من قبل إسرائيل والأردن وعقدت بشأنه اجتماعات سرية كثيرة. وفي المؤتمر الأخير حضر الطرفان برؤية مشتركة وتم طرحها كمشروع دولي يحتاج للتمويل..

@ فأهم عقبة تواجه المشروع حالياً هو تكاليفه الباهظة - وغير المبررة من وجهة نظر كثير من الخبراء، فقناة السويس المصرية مثلاً توفر عائداً يغطي - ويزيد - عن تكاليف تشغيل القناة، وفي المقابل فإن إنشاء قناة موازية بين العقبة والبحر الميت لن يخدم غير السفن الخاصة بدولتين فقط هما الأردن وإسرائيل!

ورغم طرح المشروع - في المؤتمر الأخير - يوحي بأنه حديث نسبياً ولكنه في الحقيقة رسم قبل قيام إسرائيل ذاتها. فمن أهم المشاريع الحيوية التي ذكرها هرتزل في كتابه (الأرض القديمة الجديدة/ 1902م) "مشروع قناة البحرين" الذي يقترح شق قناة مائية تربط البحر الميت بالبحر الأحمر - ثم قناة أخرى من الميت إلى المتوسط. وظل المشروع واضحاً في أذهان الحكومات المتعاقبة منذ تأسيس إسرائيل حتى أصدرت حكومة الليكود قراراً رسمياً بتبني المشروع في 24أغسطس 1980م

@ وبالنسبة لإسرائيل بالذات يقدم المشروع فوائد استراتيجية وصناعية جمة، فالقناة المقترحة ستشكل حاجزاً مائياً يمنع الجيوش العربية من مهاجمة إسرائيل من الشرق. كما سيعزز من قدرات إسرائيل النووية والصناعية (من خلال تبريد المفاعلات النووية المزمع إقامتها على امتداد القناة). أضف لهذا سيساهم تدفق مياه البحر الأحمر (أو المتوسط) من ارتفاع 400متر في توليد 150ميجاوات من الكهرباء توفر لإسرائيل 650مليون دولار كل عام.. أيضاً يسعى المخططون إلى استغلال تفاوت منسوب البحرين (حيث يعد البحر الميت أكثر مناطق العالم انخفاضاً) في تشغيل محطات لتحلية المياه يستفاد منها في زراعة أراضي النقب.. وبالطبع لم يغب عن بال إسرائيل حفر قناة كهذه من شأنه منافسة قناة السويس حيث يمكن للسفن الدخول إلى البحر الميت (الذي سيتحول لموانئ مزدهرة) ومنه ستنتقل إلى البحر المتوسط عن طريق قناة أخرى!.

@ هذا عن إسرائيل، ولكن ماذا عن الأردن الشريك الآخر في البحر الميت؟

من الواضح أن الأردن بدأ يميل للمشروع بعد توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل (في اكتوبر 1994) وفي أبريل 1996قامت لجنة أردنية إسرائيلية مشتركة بدراسة ثلاثة خيارات استعداداً لتسويقها دولياً.

  • الخيار الأول: شق قناة من البحر الأحمر للبحر الميت (...)

  • والثاني: شق قناة من البحر المتوسسط إلى البحر الميت عبر منطقة الخليل..

  • والثالث: من البحر المتوسط إلى نهر الأردن - ثم إلى البحر الميت.

وفي حالة تنفيذ أي من هذه الخيارات سيرتفع سطح البحر الميت حوالي المتر. وهذا سيؤدي إلى اتساع حوضه الأمر الذي سيغرق المنشآت الصناعية للأردن على الضفة الأخرى.. أضف لهذا ستغمر المياه المتدفقة (350) هكتاراً من الأراضي الزراعية في غور الأردن وحوالي (1000)كم مربع من الأراضي الشمالية للبحر الميت.. ومن المؤكد أيضاً أن تدفق مياه الأحمر أو المتوسط بتلك الكميات سيخفف من تركيز الأملاح والعناصر المعدنية في البحر الميت وستكون النتيجة المباشرة تضرر صناعات البوتاسيوم في إسرائيل والأردن على حد سواء!!

والسؤال هو: هل ستعوض عوائد المشروع هذه الخسائر!؟ وهل سيتحمل الأردن تكاليفه وفوائده الباهظة!؟ .. والأسوأ من هذا وذاك: كيف تضمن شريكاً مثل إسرائيل على المدى الطويل!!؟