بعد انقضاء حفل العشاء الملكي الذي أقامه الملك فيصل في ديوانه بالطائف عام 1947م للوفد الدبلوماسي حينما كان نائباً للملك في الحجاز يقول الزائر البريطاني بيلينكن: إنه قد تأمل وجه الأمير فيصل بن عبد العزيز وهو يتحدث بحرية وإسهاب عن فلسطين بصوت عاطفي إلى حد ما وهادئ جداً حينما قال إنه استمع إلى السيد إرنست بيفن (وزير خارجية بريطانيا) الذي يثق به ويحترمه ويرى أن هذا البريطاني مستعد ومتحمس لإنجاز ما يراه العرب صواباً في فلسطين ولكنه يبدو مقيداً كما قال المترجم جمال الحسيني الذي قام بترجمة رائعة إلى لغة إنجليزية اصطلاحية دقيقة ومعسولة، وكان فيصل يضيف من وقت لآخر جملة أو عبارة بلغة إنجليزية لا لكنة فيها وقال الأمير: أخبرت وزير الخارجية البريطاني بيفن بكل صراحة أن صبر العرب يوشك أن ينفد. وأنه حينما يبدأ الانتقام من الإرهاب فإنه من الصعوبة والخطورة التنبؤ بالمدى الذي ستصل إليه أمواج الثأر.. وقد كرر الأمير كلماته متعمداً ليضمن أن الزوار قد فهموا.

تشعب بعد ذلك الحديث عن فلسطين وخصوصاً ما يقوم به الإرهابيون الذين كما يزعم اثنان من الحاضرين المسلمين والقول لبيلينكن يتألفون من الصهاينة وغير الصهاينة. لأن الحقائق تشير إلى أن 95 % من المسؤولين العاملين في وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين (أونروا) هم من اليهود وتساءل: ألا يبرهن هذا إلى أن أونروا جاءت لمساعدة شعب واحد فقط في أوروبا؟ عندئذ علق ستوكس مغدقاً كلمات مديح على مواقف وزير خارجية بريطانيا الموالية للعرب. فانفلت من الهندي عبد الرحمن بعض الهمهمات ثم عقب: ذهبت إلى السيد بيفن أثناء الحفل المقام في ختام المؤتمر الأخير حول فلسطين وقلت له: أود أن تمنحني دقيقتين من وقتك يا سيد بيفن للحديث عن موضوع مهم وخاص. فهل تمنحني من فضلك دقيقتين فقط حينما يسمح وقتك بذلك؟ فالتفت إلي السيد بيفن وقال: سوف أمنحك إياها بكل سرور. واتصل بسكرتيره الخاص وحدد لي موعداً للقائه إلا أنهم اتصلوا بي لاحقاً واعتذروا قائلين: إن لدى الوزير ارتباطات كثيرة لا تسمح بمقابلتك خصوصاً أن محادثات موسكو على الأبواب.

وكان هذا هو ختام الحديث عن بيفن، واتفق الجميع إلى أنه أحياناً ليس بالرجل اللطيف ولكنه على الأقل أفضل من السيد كريتش جونز الذي كان منحازاً للصهاينة بشكل سافر طيلة عمله.

قال الأمير فيصل وفقاً لبيلينكن: إنه يتفق مع كل كلمة قالها بيلينكن في تلخيصه للشأن الفلسطيني ذلك التلخيص الذي قال عنه إنه أقل عاطفية وأقل تحزباً. ولكن الأمير سأله: ما الذي منع بريطانيا حينما كنا أصدقاء من أن تجعل فلسطين دولة عربية بين الحربين العالميتين وقبل ارتهاننا مرة أخرى للأمريكيين وعندما قال بيلينكن إن بريطانيا أعطت وعداً لشعبين ولا يمكنها تجاهل وعد لجانب واحد فقط طلب فيصل أن يستمر في الحديث عن هذا الموضوع وأن يشرح له أكثر عن إفلاس السياسة البريطانية في السنوات المأساوية لبعض الساسة البريطانيين، وقال: إذا كانوا غير قادرين على توجيه قارب لعبة في بحيرة هايدبارك فما بالك بقدرتهم على توجيه سفينة الإمبراطورية البريطانية.

بعد وجبة العشاء يختم بيلينكن بالقول: كانت النجوم تتراقص فوقنا وتحتها تذكرت كلمات جمال الحسيني الفلسطيني الصريحة أثناء العشاء لأنني أعمل جهدي على تهدئة الفلسطينيين العرب فقد وجه لي التهمة بالخيانة والعمالة لبريطانيا، وأن الأمم المتحدة ليست سوى وكالة أمريكية لمساعدة يهود أوروبا.

الملك فيصل يتفقد مشروع كرى 1965م
من زيارة الملك فيصل لأوروبا 1919م