كنت في زيارة للولايات المتحدة الامريكية شهر مايو الماضي لحضور مناسبة تخرج ابني أحمد من جامعة نيويورك العريقة، ومن ثم السفر غربا لحضور مشاركة ابني سليمان في مؤتمر ايسف العالمي في مدينة لوس انجلوس. تعد هذه الزيارة الأولى لي منذ 22 عاما، وقد سجلت بعض الملاحظات عن بعض المدن في بعض الولايات التي زرتها وبالأخص نيويورك، ولوس انجلوس من حيث التشوه البصري والسمعي. وهذا ما جعلني أتساءل: "هل هذه هي الولايات المتحدة الامريكية؟" الدولة العظمى وعضو مجموعة السبع وإحدى دول العشرين الاقتصادية، والتي قد زرتها في فبراير عام 2001م؟ وهل الزمن توقف بها أو "انه اعادها للخلف" كما قالت لي إحدى ساكنات مدينة لوس انجلوس؟
بدأت رحلتي في مدينة نيويورك وهي كما يعرف الجميع أنها مدينة ذات تاريخ عريق من المدن الامريكية يسكنها ما لا يقل عن 8 ملايين نسمة وتعتبر من المدن المتقدمة في مجالات الصناعة والطب والتكنولوجيا والفن، وتمتاز بأبراجها وعمائرها الشاهقة وغير ذلك من المظاهر العمرانية، ولكن اصابتني الدهشة من حجم أعمال الصيانة التي خطفت أجزاء جميلة من المدينة والممتدة عبر سنوات التي يشتكي منها قاطنوها. حجم التشوهات البصرية في الأبنية والطرقات والارصفة طاغٍ مما جعلني أتساءل: هل هناك بلديات تهتم بهذه المدينة؟ أو انها تركت للزمن مما جعل نيويورك تكبر وتشيخ ويجب ان يهتموا بها قبل ان تذبل وتموت.
التلوث السمعي يكاد يقضي على أجمل الأوقات التي يقضيها الناس من خلال أصوات الميترو أسفل المدينة، والتي يصل بصوت الضجيج وأنت تحتسي قهوتك أو تتناول وجبتك في أرقي الأماكن، ونعود إلى الصيانة ومعداتها التي تسرق الهدوء والراحة في كل الأجزاء صخب دائم ومستمر، السماء غير صافية فحجم التلوث الذي تعتقد أنه ضباب مع برودة الجو وانخفاض درجة الحرارة ولكن سكان المدينة يخبرونك بغير ذلك فما نراه تلوث الهواء حيث يشتكون أنها تعاني المدينة من التشوهات البصرية والسمعية والهوائية.
عربات الاكل للباعة المتجولين التي تنتشر بشكل عشوائي ناهيك عن انخفاض مستوى النظافة جعلني اتساءل هل هناك مراقبون صحيون لمستوى النظافة وتطبيق الاشتراطات الصحية التي تضمن سلامة الغذاء؟ الزحام المروري المستمر وهدير المحركات ومنبهات السيارات المتواصل لهي أمثلة بسيطة عن حجم معاناة ساكني المدينة الذي لا ينتهي.
أما لوس أنجلوس، المدينة التي لا تقل أهمية عن نيويورك، فهي قصة أخرى. جمال الطقس واتساع رقعة الطرقات يقابله تردٍ للأوضاع. فالمشردون يملؤون الشوارع بلا مبالغة وبدون أدنى تحامل على هذه المدينة، وكذلك تواجد الشرطة الدائم في بعض الشوارع يلغي عندك الشعور بالأمان الشخصي، لوس أنجلوس كانت مدينة جميلة ومميزة وهي إحدى المدن الساحلية في ولاية كاليفورنيا.. شعرت أنني في تسعينات القرن الماضي وان الزمن توقف بها ماعدا عدد من المولات التجارية التي استحدثت في هذه المدينة، الشواطئ الجميلة بدون تحسين فكل ما فيها منذ سنوات وهي مدينة تحتاج إلى إدارة جادة تعمل على تطويرها والعمل على عدم تقادمها وعلى عدم فقدان بريقها ورونقها الذي يحبه السياح والزوار.
كل ما سبق هو بعض من كل ورسالة لكل من هو مفتون بما هو خارج الحدود ويجري مقارنات مجحفة لا تستند إلى أدلة حقيقية، ويجعلنا نرفع القبعة لكل من يعمل داخل الوطن من اجل مدن مستدامة تطبق معايير جودة الحياة وتعمل على أنسنة المدن والحفاظ على الهوية العمرانية وتعمل على إزالة التشوهات البصرية والعمل على تحسين المشهد الحضري وهم في 17 أمانة يعملون تحت مظلة وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان، والتي تعمم حملات ومبادرات ومشاريع قوية ومهمة من أجل 13 منطقة بكل محافظاتها ومدنها ومراكزها ويجب ألا نستعجل النتائج لكننا نلمس التغيير من أجل الأفضل دائماً في هذا الوطن الكبير.
التعليقات