كتبت أكثر من مقال عن مفهوم "الالتزام" بسبب مفارقات كثيرة وأجدني الآن مضطراً إلى إعادة كثير من محتوياتها، هنا أختصر الأمر بشأن واحد عندما نركن سياراتنا أمام المساجد وبخاصة لأداء صلاة الجمعة، هنا يظهر الأمر جلياً بين الالتزام والتعامل مع حقوق الطريق والآخرين، وبما ينبري لماهية الالتزام الذي نتمناه لكل مسلم ولو حين تأديته لعبادته المفروضة التي تحتاج إلى كل الأدب والهدوء والروية وحتى الاتزان.
منظر مقزز تجده على الشوارع التي يقف عليها مسجد جامع من تكدس السيارات فوق الرصيف وأمام البوابات وحتى في مواقف المعاقين بشكل عشوائي يُفضي إلى تعطيل الحركة، ناهيك عمن يعيقون الساكنين الآمنين في منازلهم في إطار صورة سيئة لما يجب عليه من يحضر صلاة الجمعة في فترة روحانية الأساس فيها أن نكون نماذج يُقتدى بها للصغير حتى لغير المسلم.
أعود إلى المفهوم أعلاه لأسأل: هل الملتزم هو من يهب لأداء الصلاة بأي طريقة يريدها، أم أن هناك متطلبات أخرى؟! أشير إلى ذلك بعدما كنت وسط مجموعة كثير من أفرادها فسروا الالتزام بأنه يخص الدين فقط والقيام بواجباته دون تأخير أو نقص وما يتبع ذلك من هيئة ملابس معينة اختصها المتدينون.. بل إن بعضهم يرون أن الالتزام بالنظام الإداري والقانوني مثل احترام نظام المرور حري بأن لا يدخل في تعريف الالتزام.
المشكلة الأكبر أن يرفض أحدهم وصف من يتجاوز اشارة المرور مخالفاً بـ"غير الملتزم" لأن أخلاقيات قيادة المركبة مختلفة عن الالتزام الحقيقي المطلوب ذلك الذي يفضي الى التدين الكامل.. "على حد قوله".. الجدل لم يتوقف حيث رأى آخر أن الأخلاقيات العامة واحترام النظام والانضواء تحت القانون الذي يقره النظام هو جزء أهم في الالتزام.
بين هذا وذاك كان مفهوم الالتزام يعبر عن نفسه جلياً وأنا أشاهد ما يحدث من عبث، خارج الجوامع الكبيرة في مدينة الرياض حين صلاة الجمعة، حيث يؤلمك قبل أن يقطع عليك طريقك منظر السيارات المتناثرة مبعثرة بطريقة مخلة تدل على عدم الالتزام بالآداب العامة قبل النظام والقانون ومن ثم النظام المروري.. منظر مخجل.. لا نجد له تفسيراً إلا العبث.. ومن أشخاص يريدون رضا الله والتقرب منه بعبادات ونوافل في هذه المساجد المباركة بإذن الله.. لكنهم يفسدون الالتزام بالإخلال بكل ما هو حضاري ويدعو إلى السلامة والتسهيل على الآخرين.. وليت الأمر كذلك بل إن بعضهم قد رمى مركبته على أحد جانبي الطريق الرئيسي السريع وبما يعرضها والآخرين للخطر، وفق مخالفات مرورية واضحة ظاهرة.. وبما يشير إلى أن ربعنا هؤلاء يخالفون مبادئ الالتزام بالنظام، بل ويخترقونه ويعبثون به، فهل من عبثَ بالنظام يستحق أن نقول عنه بمفهوم عام إنه لا ينتمي للالتزام؟!
الإجابة عن هذا التساؤل تنطلق من التوجيه الرباني العظيم "وإنك لعلى خلق عظيم"، وبما يشير إلى أن العبادة والأخلاق كل لا يتجزأ وفي ظل أن ديننا الإسلامي هو مشروع أخلاقي إنساني.. لا عبادة ومواصفات شكلية فقط، فهو دعم وترسيخ سلوكيات تنظم علاقات الناس فيما بينهم وفق معايير ينظمها الإسلام وتحتويها القوانين المجتمعية، ورسولنا الكريم عليه أفضل الصلوات والتسليم يقول: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".
التعليقات