أرشد الله تعالى خلقَه إلى سبل اجتلابِ المنافع واجتناب المضارِّ، كما قال تعالى: (قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى)، وللإنسان في ذلك خُصوصيةٌ تناسب تكريمَهُ وعلوَّ شأنه، وإناطةَ تعمير الأرض به، فقد فتح الله له من الأسباب والإمكانات ما لا يحصى، وجعل الكائنات الأرضية مسخرة لمصالحه بشكل أو بآخر، كما قال تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا)، فلا عجب إذن أن نجد من الناس من يكونُ مبدعاً في إنجازاته، متغلباً على كل عقبةٍ يظن غيره أنها مستعصِية؛ فطريق النجاح مفتوحٌ، وما على الإنسان إلا الطلب والجد والمثابرة في العمل، ومن أدمن قرع الأبواب فيُوشك أن يُفتح له بابٌ، والطريق المثلى للتعاطي مع المحصِّلين لأهدافهم الناجحين في مساعيهم أن يُثنى عليهم بما بذلوا من جهود، وأن تثمّنَ جهودهم، وأن يُتعاون معهم في تعميم تجربتهم، واستثمارها للصالح العامِّ، ومن لم يمكنه أن يتعامل معهم بكل هذا أو ببعضه، فلا أقلَّ من ابتعاده عن التشويش عليهم، وكفه عن التشكيك في إنجازاتهم، فمن أكبر السلبيات أن يعجز المرء عن الإعانة على النجاح، ثم ينشط في تثبيط الناجحين، ويكون عقبة في طريق كل سائر في الاتجاه الصحيح، ولي مع التشكيك بالمنجزات وقفات:

الأولى: يجب أن ينظر الإنسان إلى الإنجازات على أنها من أهم مقدَّرات الحضارة، فما من حضارةٍ سابقةٍ أو معاصرةٍ إلا وعصَبُ حياتها ما تتمتَّعُ به من إنجازاتٍ سياسيةٍ وعلميةٍ وأمنيةٍ وثقافيةٍ وغيرها، فالإنجاز ركنٌ من أركان القوة، ولا يسع محبي الكرامة والعزة إلا الحفاوةُ بالمنجِز وإنجازاته، وبفضل الله تعالى وتوفيقه كان من أركان نهوض دولتنا المباركة المملكة العربية السعودية العنايةُ بالإنجاز والتشجيع عليه وتوفير البيئة المساعدة عليه، والتحفيز على التميُّز وجعله قيمة اجتماعية يتنافس عليها أهل الهمم العالية، وقد جنى المجتمع الكثير من ثمرات هذا التشجيع، فتتابعت وتنَامتْ إنجازات أبنائه في كل مجالات الحياة، وإنجازاتُ الأفراد والمؤسسات جزءٌ من إنجازات الدولة، ومؤشّرٌ قويٌّ على نجاحها، وقيامها بدورها على الوجه اللائق، والرؤيةُ المباركة لسيدي ولي العهد (المملكة 2030) خيرُ فرصةٍ مرت بنا للإنجازات، وأحسن ما واكبناها به حب التميز، وتقدير الإنجاز باعتباره ضرورةً حضاريةً، وشرطاً أساساً للوقوف في مصافِّ الأمم القوية، ومن اقتنع بهذه الحقيقة أُشربَ في قلبه حبَّ المنجزين وإنصافَهم، والتعاون معهم، والاعتزاز بهم، والاعتراف بما بذلوا من جهد؛ لاقتناعه بأن كل إنجاز لفردٍ في هذا الشعب يُسهمُ في تنامي قوة الوطن، ولا يسع المواطنَ المحب لوطنه أن يزهد في شيء يُعدُّ خطوةً إلى الأمام في تقدم الوطن.

الثانية: لا يسوغ أن يستهين الإنسان بغيره مطلقاً، ومن حق المسلم على أخيه أن لا يحتقرَه، وإن احتقره أتى باب شرٍّ عظيم، ففي حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ"، أخرجه مسلم، وهذا عامٌ لكل مسلم، ولو كان من غمار الناس غير مشتغلٍ بأيِّ أنشطةٍ تذكر، فمن احتقر النشطَ الـمُنجز انتهك حقه العامّ السابق، وحقَّه الخاص في أن يُقال له: أحسنت، فمن الإنصاف المستحَقِّ أن يُعرفَ للمحسن إحسانه، ومن تجاهله فقد حرمه من حقِّ إنصافه، وتعدي عليه بالحسد وجحد جهوده، ولن نُفسِّر تشكيكه بمنجَزه إلا على أنه من حيلة العاجز والحاسد، وكأنَّ الذي يبخلُ على الناس بالاعتراف بجهودهم يجهل أن من حقَّق إنجازاً فقد برهن على أنه يستحقه، والإنسان أصله الصلاحية لأن يُفتح له كل تميّز، وبعمله وما تجري به حياته ينجلي أمره في تحصيل ذلك أو عدم تحصيله، فإذا رأيناه منجِزاً لشيءٍ فقد تبين لنا أنه لم يُخفق فيه، وأنه من نصيبه المكتوب الذي لن يحجبه عنه تشكيكُ مشككٍ ولا امتعاضُ حاسدٍ، فهو كما قال الله تعالى: (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا).

الثالثة: على كل منا أن يعيَ أن إنجاز أخيه ليس نذيرَ شؤمٍ له، بل هو خيرٌ وبركةٌ، وله مردودٌ عامٌّ يمكن أن يستفيد منه كل أحد، فمن فوائده العامة كونه لصالح الوطن، وكون صاحبه محلَّ قدوةٍ في الخطوات التي اتخذها حتى أوصلته إلى تلك النتيجة، وإذا كنتَ لا يُؤهلك وضعك الخاص لتحذوَ حذوه بشخصك، فقد يحذو ابنك أو حفيدك حذوه، وتلك منفعةٌ ينبغي أن تطمح إليها، وأن لا يكون نظرك في مصلحتك مقصوراً على حالتك الراهنة، ومن منافع الإنجاز أنه يُذْكي روح المنافسة الإيجابية بين الناس، فيتحمس بعضهم لبذل جهوده في المجال نفسه أو مجالٍ آخر، ولو لم يرَ النتيجة التي أحرزها فلانٌ لم يتحمس لذلك.