يعتلون خشبة التكريم بتجاربهم الفريدة التي أثْرت المسيرة الثقافية السعودية، ويُتَوَّج مشوارُهم الطويل بعد أن أفنَوا أعمارَهم في سبيل الفن والثقافة وأثمرت جهودهم وتحققت غاياتهم الرفيعة.. فتكون هذه اللحظة مكافأةً تُثلِج صدورهم وتقدّر عطاءَهم بوصفه تثميناً مؤسساتيّاً لصناع الأثر، ويأتي ذلك من خلال مبادرة "الجوائز الثقافية الوطنية" التي تصل لعامها الرابع باستقبال الترشيحات للجوائز المخصصة للقطاعات الثقافية عبر منصتها الإلكترونية.

ويستمر التقديم على نسخة مبادرة الجوائز الثقافية لهذا العام شهرين متتاليين، على أن تنتهي مراحل الفرز، والتقييم، والتحكيم؛ بإعلان الفائزين بالجوائز في الحفل الختامي الذي تنظمه وزارة الثقافة في شهر سبتمبر المقبل.

واحتفَت المبادرة بقطاعات الثقافة المختلفة من خلال 16 جائزة من بينها: "جائزة شخصية العام الثقافية"، التي تحتفل بالرواد والرموز وتُكرّم نتاجهم الثري؛ منطلقةً نحو ترسيخ مفهوم التقدير والإشادة، مع التشجيع المستحَقّ والتمكين المادي وغير المادي؛ باعتباره ممارسةً حضارية تنهض بالهمم.

وبالعودة إلى مجريات الدورة الأولى من المبادرة حين احتشد الوسط الثقافي وهاماتُه وموهوبوه؛ قُدّمت حينذاك "شخصية العام الثقافية" إلى الأديب وعميد الرحالين السعوديين محمد ناصر العبودي -رحمه الله-، وهو من كوّن إرثاً مدهشاً وغنيّاً بأدب الرحلات بعد أن وثّق تجواله في أصقاع الأرض بقلمه العذب، في مؤلفات منها "كنت في بلغاريا" و "المسلمون في لاوس وكمبوديا: رحلة ومشاهدات ميدانية" و"جولة في جزائر البحر الكاريبي".

"ابن بطوطة العصر" كما سُمّي؛ وقد وصل مجموع مؤلفاته إلى 300 مؤلّف في أدب الرحلات والتراث الشعبي والمعاجم اللغوية، لتكون هذه الجائزة تكريماً مستحَقّاً نظيرَ سخاءٍ أدبي رصين، حيث تَدين المكتبة المحلية بالشكر والعرفان لبصماته الجلية التي تُعد إثراءً ومرجعاً.

وما إن حلّ موعد الدورة الثانية في عام 2022م حتى شدّ المثقفون رحالهم إلى ليلة المبادرة الزاخرة بالبهجة والامتنان، وآنذاك نال "شخصية العام الثقافية" الأديب والباحث د. عبدالعزيز بن محمد السبيل، الذي يتمتع بمسيرةٍ إدارية مميزة، إذ تولّى عام 2005هـ وكالة وزارة الثقافة والإعلام للشؤون الثقافية، وترأّس تحرير مجلة "نوافذ" التي عُنِيت بترجمة الأدب العالمي، علاوةً على عضويته في اللجنة العلمية لمؤتمر الأدباء السعوديين الثاني، ثم رئيساً للجنته التنظيمية في دورته الثالثة، وأخيراً الأمين العام لجائزة الملك فيصل.

وأصدر السبيل مجموعة من الإصدارات المهمة، مثل كتاب "قصائد من كوريا"، و"تاريخ كمبردج للأدب العربي الحديث" و"الثقافة عبر الترجمة: القصة القصيرة نموذجاً".

وفي الدورة الثالثة من المبادرة عام 2023م تُوِّجَ الأديب والشيخ عبدالرحمن بن عقيل الظاهري بـ"شخصية العام الثقافية" وهو من كرّس حياته في رحاب العلم والأدب والثقافة، ولذلك تقاعد مبكراً في عام 1414هـ متفرغاً لمشاغله العلمية والعملية، فأطلق صالوناً أدبيّاً عام 1398هـ وفي عام 1419هـ حوّله إلى "أحَدِيّة ابن عقيل"، وظلّ يكتب ستةً وستين عاماً في الصحف.

كما تجاوز عدد مؤلفات ابن عقيل الـ 200 كتاب، تناولت اللغة والأدب والفلسفة وعلوم الشريعة والتاريخ، مثل "شيء من التباريح"، و" جدلية العقل الأدبي" و "الشعر في البلاد السعودية في الغابر والحاضر" و"ديكارت بين الشك واليقين".