لا أحد يكره الورد والزهور ورائحتها الزكية طالما هي في شجرتها وبيئتها الطبيعية، أما وقد أصبحت حزم الورود و(بوكليه) الزهور صورة من صور التبذير وإهدار المال العام فلا شك أننا سنكرهها وستكون رائحتها أقرب إلى رائحة كريهة في أنف كل غيور على مقدرات الوطن ومال المواطن.
شخصيا لي مع باقات الورد والزهور مواقف سلبية ناجمة عن كوني أرى فيها قناة هدر ماليا كبيرا عايشت صورا منه في أكثر من موقع عمل وأكثر من مؤسسة زرتها، فمن صور الهدر المالي للمؤسسات حرص مدير مكتب المدير أو سكرتاريته على وضع حوض زهور طبيعية كبير في مكتب المدير ويستبدل يوميا والمستفيد هو متعهد تأمين الزهور، وخذها مني أنه كلما قلت إنتاجية المدير وصغر تأثيره كبر حوض زهوره تعبيرا عن غروره فالمدير الجاد الشغوف لا يركز على الشكليات.
أما صور الهدر المالي والصحي للأفراد بسبب باقات الورد والزهور فكثيرة جدا، وكنت أتألم كثيرا وأنا أرى زوار المستشفيات يتزاحمون أمام دكان بيع الزهور لشراء حزمة ورد بمبلغ كبير جدا مقارنة بكونها سلعة رخيصة المصدر ورخيصة المعنى وقصيرة العمر، فقد كنا كصيادلة في جولاتنا على أجنحة المرضى لصرف الأدوية بنظام الجرعة الواحدة، نتألم ونحن نرى أكوام الزهور التالفة تملأ حاويات النفايات وبقايا زهور يابسة تحيط بسرير المريض أو المرأة الوالدة وطفلها (تنافس رهيب على أحجام وأشكال باقة الورد للمرأة الوالدة مع تقليعة الاستقبال محدد التاريخ، لا تنم عن حجم حب بقدر ما هو تحجيم وعي)، وهي بالمناسبة قد تضر بالمريض البالغ والطفل وتسبب حساسية وربما ربو مزمن سببه منسي أو مجهول أو متجاهل، ومن المعروف علميا أن أمراض الحساسية تبدأ بعامل إشعال بسيط هو بمثابة مفتاح التشغيل للجهاز المناعي قد تعقبه عواقب وخيمة، ومثل بقايا تلك الزهور المستوردة (ليست من بيئتنا) عندما تجف قد تستحث الجهاز المناعي وتشغله فلا يتوقف.
ثم إننا كصيادلة نتألم أن وطننا الغالي يطبق معايير عالية للخدمة الصحية ومنها صرف الدواء بنظام الجرعة الواحدة والذي يوفر كثيرا من الهدر في الأدوية ويرفع درجة الأمان في صرفها وجرعاتها، ثم نرى أن المواطن أو المقيم يهدر المال في سلعة بائدة ومخلفاتها ضارة وغير مأمونة، وهي عادة سيئة دخيلة علينا وقد نضطر للصرف على علاج أضرارها، فقد كنا، ولا زال كثير منا، نعود المريض بالدعاء والرقية الشرعية وما يشتهيه من طعام يسمح به أخصائي التغذية.
ولأن التقليد الأعمى إذا بدأ لا يتوقف فإن من صور الهدر المالي في الندوات والمؤتمرات الطبية الاهتمام بعقد توفير الزهور، وأحيانا يطغى على زهرة المعلومة ورحيقها، وهذا وربي أمر يحتاج إلى وقفة ومراجعة، فالتنافس على عقد توفير الزهور يحتدم ويشتد وقد يصل على قول المثل (طق عصي) كله من أجل الفوز بعقد تأمين زهور الندوة أو المؤتمر أكثر من تأمين الحضور والاستفادة!! فليتنا نراجع هذه العقود ونلغي تلك الزهور ونحصدها أصلا، فقد تخلى العالم الجاد عن هذه العادة، وكنت حضرت وحاضرت في العديد من المؤتمرات العالمية حول الدواء والسموم ولم يكن للزهور تواجد إطلاقا بينما بقي رحيق المعلومة هو السائد.
التعليقات