رغم المتغيرات الاقتصادية العالمية والأحداث الجيوسياسية وما صاحبها من ارتفاع لمعدلات التضخم والبطالة وكلفة التمويل وانخفاض الدخل، استطاعت المملكة بفضل الله تجاوز تلك العقبات والمضي قدما في تحقيق المستهدفات، ومنها معالجة ملف البطالة والهاجس الذي يؤرق صناع القرار، حيث تمثل البطالة تحديا خطيرا وكارثة اجتماعية تهدد استقرار المجتمع، أسلوب المعالجة أيضا يمثل تحديا للجهات المعنية، فمشكلة البطالة يجب أن يتحملها القطاع الخاص لأن القطاع الحكومي لا يستطيع استيعاب الأعداد الهائلة من الشباب الباحثين عن العمل، وهذا الاتجاه نظريا صحيح لأن الدولة لا يمكن أن توفر فرص العمل لكل مواطن لوحدها، ولذلك توجهت الدولة إلى إشراك القطاع الخاص في معالجة مشكلة البطالة وفق خطط عملية مدروسة توازن بين المصلحة والضرر دون فرض المزيد من الضغوط على المنشآت الصغيرة والمتوسطة والقطاع الخاص بشكل عام، في البداية تم فرض التوطين الكامل على بعض القطاعات الاقتصادية إلا أن هذا التوجه عمليا لم ينجح لأن الكوادر الوطنية لم تكن مدربة وتحتاج إلى مساعدة العمالة الوافدة، كما أن أصحاب الأعمال كان لديهم نفور من العمالة الوطنية بسبب كلفة الرواتب والاعتقاد الخاطئ بأن المواطن غير منضبط واستحالة استمراريته وقد يترك العمل في أي وقت، وقد تكون بعض هذه المبررات صحيح ولا يمكن تجاهلها، ولذلك كان من المناسب تعيين وزير من القطاع الخاص يعرف كيف يتعامل مع هذه الإشكالية فوقع الاختيار على معالي المهندس أحمد الراجحي للاستفادة من الخبرات والتجارب الناجحة المتوافرة في القطاع الخاص، وهو أحد شباب الأعمال الذين حققوا حزمة من النجاحات في القطاع الخاص، ولديه رؤية متكاملة نحو زيادة مستويات التوطين في وظائف القطاع الخاص، بما لا يؤثر على نمو الأنشطة الاقتصادية وضمان استمرارية المنشآت الصغيرة والمتوسطة، فكانت أولى خطواته التصحيحية هي التدرج في توطين القطاعات حسب قدرة كل قطاع وتوفر الكوادر الوطنية بالتنسيق مع مخرجات التعليم، واليوم تؤكد أرقام البطالة نجاح وزارة الموارد البشرية في معالجة أهم ملف اقتصادي واجتماعي، فعلى مستوى دول مجموعة العشرين تقدمت المملكة إلى المرتبة الثامنة بعد أن وصلت معدلات البطالة للسكان مستوى 4 4 % في عام 2023 بعد الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة ولا أشك أن المملكة قادرة بحول الله على تجاوز هاتين الدولتين خلال السنتين القادمتين، أما على مستوى البطالة بين السعوديين فقد حققت المملكة معدل بطالة تاريخي عند 7.7 % مقارنة مع معدل بطالة 11.5 % في عام 2015 قبل إطلاق الرؤية التي حددت هدف 7 % بحلول 2030 وبناء على المعطيات والإصلاحات الاقتصادية التي تحققت نعتقد بأن المملكة قادرة بحول الله على تحقيق هذا الهدف في عام 2025، قطاع السياحة والترفيه وهو أسرع القطاعات الاقتصادية نموا وتوليدا للوظائف ساهم في ضخ فرص عمل للسعوديين، حيث تمكن هذا القطاع من زيادة إنفاق الزوار من خارج المملكة من 38 مليار ريال في عام 2015 إلى 135 مليار ريال في عام 2023 ومع اكتمال مشاريع السياحة الكبرى في نيوم والبحر الأحمر والقدية والدرعية والسودة، ورفع الطاقة الاستيعابية وزيادتها لاستقبال ضيوف الرحمن المعتمرين في عام 2030 إلى 30 مليون معتمر و5.4 ملايين حاج، سوف يرفع إنفاق الزوار إلى أضعاف الرقم المسجل العام الماضي وهو ما يعني ضخ وظائف كثيرة في سوق العمل، وهنا يجب التركيز على مخرجات التعليم بحيث تتوافق مع رؤية المملكة وتوجهاتها المستقبلية والتركيز على التخصصات التي يحتاجها سوق العمل مثل الفندقة والإرشاد السياحي والطاقة البديلة والمتجددة، والذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي والمعزز وعلوم البيانات الضخمة والأمن السيبراني، والتركيز على الشهادات المهنية المحترفة، وهنالك برنامج يقدمه صندوق تنمية الموارد البشرية لتشجيع وتحفيز القوى العاملة الوطنية ومنظمات الأعمال والباحثين عن عمل للحصول على شهادات مهنية احترافية معتمدة لتطوير مهاراتهم وخبراتهم في المجالات المتخصصة والمطلوبة في سوق العمل، كما أن تعلم اللغة الإنجليزية وإتقانها تحدثا وكتابة لم تعد مهارة إضافية بل أصبحت ضرورة ومطلبا أساسيا للوظائف الجديدة، إن التركيز على الشهادات المهنية والمهارات الاحترافية أصبح أفضل بكثير من الحصول على الشهادة العلمية العالية التي تستغرق سنوات طويلة للحصول عليها، وقد تكون في بعض الأحيان عائقا للحصول على وظائف ذات دخل جيد.