نتحدث دوماً أن المسجد هو محور مجتمعه المحيط، بينما يقتصر المسجد في واقعنا اليوم على أداء الصلوات فقط! ونغفل عن فرصة أن يكون قلب الحيّ النابض، ومركز إشعاع اجتماعي وتنموي مستدام، يتجاوز دوره التقليدي، ويُحقق تنمية اجتماعية بجهود أبناء الحي أنفسهم!

لماذا لا يمتد دور المسجد إلى ما هو أوسع من مجرد أداء الصلوات؟ ليكون محضناً للمجتمع المحيط به، عبر تحويله إلى مؤسسة غير ربحية ذات كيان اعتباري، تدار بأسلوب احترافي وتشاركي، لها مصادر دخل متنوعة وأوجه صرف محددة!

هناك اليوم العديد من النماذج لمبادرات محلية وإقليمية حوّلت مساجد تقليدية إلى مركز اجتماعي وثقافي واقتصادي متعدد الأغراض، تعتمد في تمويل برامجه وأنشطته على وجود ريع لمنشآت المسجد، مثل تأجير متاجر أو القاعات الملحقة في المسجد أو اللوحات الإعلانية الخارجية، أو حتى أوقاف استثمارية، مما يضمن الاستدامة المالية، ويمكّن إدارة المسجد من تنفيذ أنشطة تعليمية واجتماعية متعددة.

ولك أن تتصور الأثر الإيجابي على مجتمع المحيط وعلى مجتمع المدينة أيضاً، حينما يفعّل دور المسجد ومنشآته بشكل احترافي، فتعقد الدورات التدريبية والتطويرية في قاعات المسجد، وتُنظم الاجتماعات والمعايدات والمناسبات الوطنية بين جنباته، وتشتعل المنافسات الرياضية بين أبناء الحي، ويمسي قلباً نابضاً لمجتمعه المحيط.

ولكن لتنجح الفكرة لا بد من مأسستها بدلاً من بقائها مبادرات فردية، عبر إنشاء مؤسسة نفعٍ عام، ولعلي أقترح أن يتبنى المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي مبادرة إنشاء مسار جديد للجمعيات والمؤسسات الخيرية، يكون مخصصاً لمؤسسات المساجد، وتكون تحت إشراف مشترك بين وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد ووزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، ويشكل له مجلس إدارة يختاره سكان المجتمع المحيط ويكون إمام المسجد هو أمين المجلس، بعضوية ممثلين عن الوزارات المشرفة وبلدية الحي. ليعمل على تخطيط فعاليات وبرامج مؤسسة المسجد، ويشرف ويراقب على موارده المالية الذاتية والاستثمارية، ويتابع أعمال الإدارة التنفيذية.

المساحة واسعة والأفكار لا تنتهي لمؤسسة المسجد، بداية من الأنشطة الاجتماعية والثقافية لأبناء وبنات الحي، وكذلك كبار السن والنساء والرجال، والاهتمام بالمحتاجين من أبناء الحي، وتحفيظ القرآن، والإفطار والسحور الرمضاني، وهدايا رمضان والأعياد، وديوانية الحي، وحضانة، ومكتبة، وصيدلية، ودوري للألعاب الرياضية، وصالة رياضية، والقائمة تمتد من المبادرات الإبداعية التي سوف يقترحها جماعة المسجد، بناءً على احتياجاتهم وتطلعاتهم التي تختلف من حي إلى آخر، ومن مدينة إلى أخرى.

أي أثرٍ إيجابي سوف تخلقه آلاف مؤسسات المساجد حول المملكة؟ وأي ترابط اجتماعي سوف تتوثق عُراه؟ وأي خدمات تعليمية وتدريبية واجتماعية سوف تتوفر بالقرب من الملايين؟ وبالتأكيد رواد أي مسجد سوف يكونون أول المبادرين للتفاعل مع فعاليات وأنشطة مسجدهم، ولكن يبقى حجر زاوية نجاح الفكرة واستمرارها هو تحولها إلى عمل مؤسسي، والكرة اليوم في ملعب المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي.