لَم يكن شهر رمضان بكل ما يتضمنه مِن معانٍ دينية وروحية بالمناسبة التي يغفلها الشعراء والأدباء على مر العصور، ولقد حفلت كتب الأدب، ودواوين الشعراء، بذكر هذا الشهر الكريم، ما بين ترحيب بمَقدمه، وتوديع له، وإظهار أهمية الصوم في حياة الناس، وعاداتهم في رمضان في مختلف البلدان، واعتباره شهراً للهِداية، والنصْر، والجود، والبر، والصلة.
وكان الشعراء حاضرون في شتى مناحي الحياة: الحرب والسلام، الحب والغزل، وكذلك في الشؤون الدينية ومن هؤلاء الشعراء الذين تغنوا احتفلاً بقدوم شهر رمضان المبارك حيث قال الشاعر الأندلسي ابن الصباغ الجذامي:
هَذَا هِلالُ الصَّوْمِ مِنْ رَمَضَانِ بِالأُفْقِ بــــَانَ فَلا تَــــكُنْ بِالوَانِــــــــــي
وَافَاكَ ضَيْفًا فَالتَزِمْ تَعْظِيمَـــــهُ وَاجْــــــعَلْ قِرَاهُ قِـــــــــــرَاءَةَ القُـــــــــرْآنِ
صُمْهُ وَصُنْهُ وَاغْتَنِمْ أَيَّامَــــــــــهُ وَاجْـــــبُرْ ذِمَا الضُّــــــعَفَاءِ بِالإِحْسَانِ
ويقول الأديب الراحل مصطفى الصادق الرافعي:
فديتُكَ زائـــــــــــــراً في كـــــــــلِّ عـــــــــــــامٍ تحيا بالسّلامةِ والســـــــــــــــلامِ
وتُقبِلُ كالغمامِ يفيـــــــــــــضُ حيــــــــناً ويبقَ بعدَهُ أثرُ الغَمـــــــــــــــــــــــامِ
وكــــم في الناسِ من دَنِفٍ مَـــــشوقٍ إليكَ وكمْ شجيِّ مُستهــــــــــــــــامِ
رمزتُ لهُ بألحـــــــــــــــاظِ الليــــــــــــــالي وقد عيَّ الزمانُ عنِ الكـــــــلامِ
فظلَّ يعدُّ يومًــــــــــــا بــــــــعدَ يــــــــــــــومٍ كما اعتادوا لأيَّامِ السِّقــــــــــــامِ
ومـــــــــــدَّ لهُ رواقُ اللــــــــيلِ ظِـــــــــــلًّا تــــرفُّ عليهِ أجنحَةُ الظـــــــــلامِ
فبـــــــــاتَ ومــــــــــلءَ عينيهِ مـــــنامٌ لتنْفُـــضَ عنــــهُما كَســـَلَ المَنـــــامِ
ولم أرَ قبلَ حبَّكِ من حبيــــــــــــبٍ كفـــــى العُــــــشاقَ لوعاتِ الغرامِ
فلو تدرِ العوالـــــــــــمُ مــــــــــــا درينا لحنــــّتْ للصـــــــلاةِ وللصـــــــــيامِ
بَنِي الإسلامِ هذا خيـــــــرُ ضيــفٍ إذا غَــــــشَيَ الكرِيمُ ذرى الكِرامِ
يلُمّكُمْ على خــــــــــــــــيرِ الســــــجايا ويجمــــعكُم على الهِمَمِ العِظامِ
فشُدُّوا فيهِ أيديـــــــــكُم بعــــــــــــزمٍ كما شـــــدَّ الكَمِيُّ على الحـــُسَامِ
وقوموا في ليــــــاليهِ الغـــــــــوالي فما عاجـــــتْ عليكُم للمُـــــــــــــــقامِ
وكم نفرٍ تغــــــــــــــــرهمُ الليـــــــــــــــالي وما خُلقوا ولا هــــــــــيَ للـــــــدَوامِ
وخلوا عادةَ السفهاءِ عنْـــــــــــــــكم فتِلكَ عوائدُ القَـــــــــــومِ اللئـــــــــامِ
يُحِلُّونَ الحَرَامَ إذا مــــــــــــــا أرَادوا وقد بَانَ الحلالُ منَ الحــــــــرامِ
وما كلُّ الأنامِ ذوي عُــــــــــــــــقولٍ إذا عدَّوا البَهـــــــــــائِمَ في الأَنامِ
ومن روتْهُ مرضَـــعةُ المعاصي فقـــــد جاءَتهُ أيَّـــامُ الفِطـــــامِ
وأنشد الشاعر خليل مطران في الفرح بقدوم الشهر المكرم مبشرًّا أهل الجود والكرم فقال:
رَمَضَانَ أَقْبَلَ فَأْهْنِــــــــئ يَا خَيْرَ رَبَّاتِ الحِجَــــــــالِ
سَاعَاتُهُ وَنَدَى يَدَيْــــــــــكِ مُسَلْسَلاَتٌ بِاتصَـــــــــــــــــــالِ
كَمْ مِنَّةٍ فِيهِ كَفِلْتِ بِهَا الضَّعافَ مِنَ العِــــــــــــــيَالِ
كَمْ أَعْتَقَتْ نُعْماكِ مِنْ رَقِّ الهَوَانِ رَقِيقَ حَــــــــالِ
كَمْ سَاهِرٍ يَدْعُـــــــــو لَكِ الرِّحْمَنَ فِي تِلْكَ اللَّيَالِي
دُومِي رَعَـــــــاك اللهُ فِي بَحْبُوحَةٍ وَصَفَاءِ بَـــــــــــــالِ
وفي الحذر من ضياع الثواب يقول الشاعر أبو بكر عطية الأندلسي:
إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي السَّمْعِ مِنِّي تَصَامُمٌ
وَفِي مُقْلَتِي غَضٌّ وَفِي مَنْطِقِي صَمْتُ
فَحَظِّي إِذًا مِنْ صَوْمِيَ الجُوعُ وَالظَّمَا
وَإِنْ قُلْتُ: إِنِّي صُمْتُ يَوْمًا فَمَا صُمْتُ
وفي نفس المعني جاء قول أمير الشعراء أحمد شوقي:
يَا مُدِيمَ الصَّوْمِ فِي الشَّهْرِ الكَرِيمِ
صُمْ عَنِ الغِيبَةِ يَوْمًا وَالنَّمِيمِ
وقيل في حسن العمل في شهر رمضان:
قل لأهل الذُّنُوب والآثام
قابلوا بالمتَابِ شهرَ الصّيامِ
إِنَّه فِي الشُّهُور شهرٌ جليلٌ
وَاجِبٌ حَقّه وَكِيدُ الزِّمَامِ
واقلُّوا الْكَلَامَ فِيهِ نَهَارًا
واقطعُوا ليلَه بطولِ الْقيامِ
واطلبوا الْعَفو مِن إِلَهٍ عَظِيمٍ
لَيْسَ يخفى عَلَيْهِ فعلُ الْأَنَامِ
كم لَهُ فِيهِ من إزَاحَةِ ذَنْبٍ
وخطايا مِن الذُّنُوبِ عِظَامِ
كم لَهُ فِيهِ من أيادٍ حسانٍ
عِنْد عبدٍ يرَاهُ تَحت الظّلامِ
كم لَهُ فِيهِ من عَتيقٍ شَهِيدٍ
آمنَ فِي الْقيامِ خِزيَ الْمقَامِ
إِن دَعَاهُ مُذَلّلٌ بخضوعٍ
وخشوعٍ ودمْعُهُ ذُو سجامِ
أَيْن من يحذَرُ الْعَذَابَ ويخشَى
أَن يُصَلِّي الْجَحِيمَ مأوى اللئَامِ
أَيْن من يَشْتَهِي الْتِذَاذًا بحُورٍ
فِي جنانِ الخلودِ بَين الْخيامِ
التَمِس فِيهِ لَيْلَة الْقدرِ واترُك
التماسًا لَهَا لذيذَ الْمَنَامِ
واجتهد فِي عبَادَة الله واسألْ
فَضلَه عِنْد غَفلَة النوَّامِ
يَا لَهَا خيبة لمن خَابَ فِيهِ
عَن بُلُوغ المنى بدارِ السَّلَامِ
يَا لَهَا حسرة لمن كَانَ فِيهِ
ساترًا شَرّه بِثَوْب الظلامِ
يَا إِلَه الْجَمِيع أَنْت بحالي
عَالمٌ فاهدِني سَبِيلَ القوامِ
وأَمِتْنِي على اعْتِقَادٍ جميلٍ
وَاتِّبَاعٍ لمـــــــــــلةِ الْإِسْــــــــــــــــــلَامِ
التعليقات