لم يكن حفلاً تقليدياً لإطلاق استراتيجية، بل جرعة أمل نحو حفظ فنوننا السعودية التقليدية، وتحديثها ونقلها للعالم، بجهدٍ منهجي وعملٍ احترافي، من المعهد الملكي للفنون التقليدية "وِرث".
ليست البداية بأن يكون حفل تدشين هويّة واستراتيجية المعهد في منشآت نادي فروسية، كناية عن اعتزازنا بمورثنا الثقافي، بل حتى تقديمات الأطعمة، من "محلى" و"معصوب" و"كعك تمر" وغيرها، وكأنما جُلت في دقائق عبر مطابخ مناطق المملكة، لكن الحدث الأكبر كان الحفل، والذي رفع سقف توقعتنا من المعهد الذي لم يكمل عامه الثالث بعد!
خلال الفترة الماضية عمل المعهد على تلمس إبراز الهوية الوطنية وإثراء الفنون التقليديّة السعودية، من خلال تعزيز الإرث الغني للفنون التقليدية والأعمال الفنية المرتبطة بها، والمحافظة على أصالتها، ودعم القدرات والمواهب الوطنية والممارسين لها، وتشجيع المهتمين بها على تعلمها وإتقانها وتطويرها، مما يعظم استفادتنا من مورثنا، حيث برهن المعهد أن يمكن تحويل مورثنا إلى مورد اقتصادي وقوة ناعمة، يحقق أهدافا اجتماعية وثقافية كذلك.
حددت رؤية المعهد: بفنون تقليديّة سعودية ثرية ومزدهرة محليًا دوليًا، غير أنني أعجبت بحذاقة رسالة المعهد ووضوحها، مما يساعد القائمين على المعهد تحقيقها وهي: "تمكين قطاع الفنون التقليدية بالمملكة من خلال تقديم برامج تعليمية وثقافية ومجتمعية نوعية وتحفيز التوثيق والبحث والابتكار لسوق حيوي مستدام"، الرائع أن المعهد أطرّ ذلك عبر أربع ركائز استراتيجية، تبدأ من التعليم والتدريب، والأبحاث والتوثيق، مروراً بالتواصل والتوعية والمشاركة، حتى تنتهي بالتمكين المهني وريادة الأعمال، مما يجعل العمل مستداماً، وذا أثر اجتماعي واقتصادي لممارسين الفنون التقليدية، وكذلك المهتمين، والجمهور الوطني، والجمهور القادم من خارج نطاق هذه الفنون.
وبالتزامن مع إنشاء أكبر حديقة حضرية عالميا في العاصمة الرياض، يتوسط المقر الرئيس للمعهد الملكي للفنون التقليديّة حديقة الملك سلمان، ضمن المجمع الملكي للفنون، مُلهماً للأفكار وحاضناً للابتكار، حيث خُصص للمعهد نحو أربعين ألف متر، تتنوع بين مساحات فنيّة ومعامل للحِرف واستوديوهات للتصميم مُجهزة بأحدث التقنيات ومرافق دراسية للكليات والأبحاث والابتكار وكذلك مسرح مُخصص ومكتبة تابعة للمعهد، والتي ستمنح الطلاب والباحثين تجربة علمية متكاملة وثرية.
سابقاً كانت فنوننا التقليدية في طريقها نحو الاندثار، لأنه لم تكن هناك جهة مركزية تهتم بهذا الإرث وتوثقه وتنشره، لكننا اليوم مع وجود المعهد الملكي للفنون التقليدية، يرتفع سقف توقعاتنا وآمالنا، ومنها دراسة إمكانية فتح فروع للمعهد في مناطق المملكة، وعقد شراكات مع الجمعيات والمؤسسات الخيرية، والأهم مضاعفة برامج التدريبية، فتراثنا واسع ومتنوع، والمعهد بشبابه حتماً قادرون على ذلك.
التعليقات