في عام 2009 دعيت من قبل برنامج الكتابة العالمي المقام في مدينة آيوا، كان هذا النوع من البرامج جديداً علي، ولم أكن أعرف ماذا يعني أن أقطع كل تلك المسافة وأعيش بعيدة عن كل شيء فترة من الزمن مخلصة فقط للكتابة والإبداع، سأتحدث بإسهاب عن تلك التجربة في مقال آخر، تذكرتها فقط لأنني أردت التحدث عن الإقامات الفنية وما تعنيه وأهميتها لدى المبدعين والفنانين خصوصاً مع البرامج التي صرنا نسمع عنها والتي صارت تنفذها مختلف الهيئات عندنا.
فكرة الإقامة الفنية فكرة رائعة لا يعرف بالضبط من ابتدعها لكن أقدم إقامة معروفة في التاريخ الغربي كانت المنحة الدراسية التي كان يعطيها لويس الرابع عشر في القرن السابع عشر لنحاتين ورسامين فرنسيين للإقامة في روما، ويبدو أن الفكرة تطورت حتى وصلت إلى شكل برامج الإقامات الفنية الموجودة اليوم. وإذا كنت لا أعرف تاريخها الدقيق، لكنني أفهم تماماً لماذا طرأت الفكرة على مبتدعها، وربما أخذني ذلك إلى إبداعات بول جوجان والتغيرات النفسية والإبداعية التي ظهرت جلية في لوحاته حين ذهب إلى تاهيتي.
أن تبتعد تماماً عن كل شيء، عن حياتك اليومية، عن روتينك، عن أهلك وأصدقائك وكل ما يمثل ما تعودت عليه، أن تبدل المشاهد المتكررة والخطوات التي تخطوها كل يوم، أن تجرب شيئا جديدا، يحدث ذلك في السفر، في السياحة، لكن المعنى مختلف تماماً، لأنك في الإقامة الفنية أنت محاط بفنانين آخرين، الجو كله فن، كله إيحاءات بالفن، وأنت ذاهب هناك وأنت مهيأ نفسياً وجسدياً للإخلاص لهذه الفكرة، فكرة الفن والإبداع، بدون أن تضغط على نفسك، تجد نفسك قد تغيرت، وتجد أنك قادر على استلهام ما يجود به المحيط الذي تعيش فيه، مسألة كالسحر، تبقى تؤثر فيك على مدى طويل، أتحدث عن تجربة.
تتعرف على أشخاص جدد يحملون نفس الشغف، تتعلم منهم أشياء جديدة، يتعلمون منك أشياء جديدة، سواء في الفن، أو في الحياة، وربما تجعلك تطرح على نفسك أسئلة من نوع ماذا يعني الفن بالنسبة لك، وربما غيرت أسلوبك، أو عززته أو جعلتك ترسم خطا جديدا لم تكن تعرف أنه بداخلك. عليك فقط أن تخوض التجربة بكل إحساسك.
في الغالب يجتمع في مكان الإقامة أو المعتزل الفني مختلف المستويات، قد تجد فنانا يبدأ حياته العملية في الفن، وقد تجد فنانا معروفاً له خبرته واستقلاله الفني، المنفعة التي يحصل عليها الاثنان مختلفة، لكنها موجودة، يتعلم الاول ويكتسب خبرات جديدة ويتعرف على نفسه وماذا يريد من الفن، والفنان المتمرس قد يخرج بفكرة جديدة أو يصل إلى عمق الفكرة التي يعمل عليها. في النهاية الكل رابح.
سأبحث بإخلاص عن واحدة.
التعليقات