المعرض العالمي للدفاع يقدم فرصاً واسعة للتعرف على أحدث التقنيات العسكرية وفي الوقت نفسه هو فرصة واسعة لتحديد التوجهات المستقبلية للإمكانات التي تملكها المملكة خصوصاً على مستوى البحث العالمي مع هذا الانتشار الواسع للمؤسسات العلمية والتعليمية..

لعل أهم الأسئلة التي يطرحها تنظيم هيئة الصناعات العسكرية لمعرض الدفاع العالمي هذه الأيام يتمثل في خطوات التحول نحو توطين صناعة الدفاع في المملكة، وهي خطوات ترتبط برباط وثيق بالتحولات الكبرى التي تعيشها المملكة التي صنعتها رؤية 2030 وما يعني ذلك من الاعتماد الكامل وفق جدول زمني مدروس لحماية حدود المملكة ومنجزاتها التنموية لبناء صناعة وتقنيات عسكرية متطورة بأيدٍ سعودية. مجرد التفكير في تطوير تقنيات الدفاع العسكري يعني بشكل أو بآخر إعادة التفكير في تطوير جميع التقنيات التي تعنى بالحياة ويعني في الوقت نفسه بناء القدرات الذاتية التي تجعل من المملكة إحدى الدول المنتجة والمصنعة للتقنية وربما المصدّرة لها في المستقل، ونحن نملك القدرة الاقتصادية والبشرية والموارد الطبيعية التي تمكننا من ذلك.

لا يمكن أن نتصور بلداً كبيراً يملك ثروات طبيعية وبشرية هائلة لا يعمل على توطين أهم صناعة تحافظ على الأمن والاستقرار وتردع من يفكر في المساس بأمنها ومقدراتها. الهيئة العامة للصناعات العسكرية تعي هذا الدور المهم وتعمل على نقل التقنية العسكرية بهدوء من خلال بناء شراكات استراتيجية بعيدة المدى، لا تساهم في خلق صناعة عسكرية متطورة فقط بل ستساهم في بناء جيل كامل من الشباب السعوديين القادرين على تحمل مسؤوليات جعل بلادهم في مقدمة المنتجين لتقنيات الدفاع العسكرية.

من الناحية الجيوسياسية، تقع المملكة في منطقة غير مستقرة من الناحية الأمنية تتنازعها حروب ونزاعات إقليمية مستمرة، ومتوقع لهذه النزاعات أن تستمر لفترة طويلة، وهذا أمر واقع لا يمكن أن ننكره أو نتجاوزه وهو واقع يفرض علينا أن نأخذ حذرنا ونستعد لأي طارئ بقدراتنا الذاتية. كما أن الأطماع الإقليمية والدولية في ثروات المملكة حاضرة في أغلب هذه النزاعات وهذا يفرض أهمية توطين الصناعات العسكرية بشكل ملحّ، فهي مسألة استراتيجية لا يمكن التنازل عنها. يعزز من هذا التوجه رؤية المملكة نحو التنمية الاقتصادية وتعزيز جودة الحياة لمواطنيها والمقيمين فيها، وهذا يتطلب وجود درع رادع لمن تسول له نفسه بالمساس بالأمن وخلق قلاقل أو إثارة فتن قد تعطل هذه الرؤية أو تمس بإنجازاتها. يعكس توجه هيئة الصناعات العسكرية قول الله تعالى "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة"، إنه إعداد للدفاع عن النفس وردع الآخر والمحافظة على الاستقرار الداخلي وحماية التنمية وفتح مجالات جديدة وواسعة للاستثمار، وهذا أمر يتطلب استثمار القدرات الوطنية وفي الوقت نفسه التوسع في تبني الشراكات الاستراتيجية التي تعزز من القدرات الوطنية في هذا المجال.

المعرض العالمي للدفاع يقدم فرصاً واسعة للتعرف على أحدث التقنيات العسكرية وفي الوقت نفسه هو فرصة واسعة لتحديد التوجهات المستقبلية للإمكانات التي تملكها المملكة خصوصاً على مستوى البحث العالمي مع هذا الانتشار الواسع للمؤسسات العلمية والتعليمية، ومع ذلك فإن تأسيس مركزاً علمياً يرتبط بهيئة الصناعات العسكرية من جهة، وببعض الجامعات السعودية ومؤسسات عالمية تتمتع بقدرات تقنية عالية في المجال العسكري، يعتبر أحد المسارات الاستراتيجية التي يجب تبنيها عاجلاً. الشراكة يجب أن تمتد إلى جانب الأبحاث العلمية وابتكار تقنيات تتميز بها المملكة وتملك حقوقها، وهذا يتطلب إعادة التفكير بشكل كامل في البنية التحتية البحثية والعلمية الخاصة بالتصنيع العسكري. بالتأكيد المملكة قادرة على خلق تقنياتها الخاصة التي تجعلها متفردة في مجال تقنيات الدفاع، ويجب أن ننظر للمعرض على أنه فرصة لبناء مثل هذا العلاقات الاستراتيجية التي تجعلنا في المستقبل مستقلين عن الآخر وقادرين على حماية أنفسنا دون الحاجة إلى استيراد وسائل الدفاع العسكرية أو تضييق الاستيراد، على أقل تقدير.

المعرض يخلق مجالات للاستثمار غير التقليدي، فهو استثمار في التقنية المتقدمة وفي الوقت نفسه استثمار في الاستقرار الأمني والاقتصادي للمملكة. في اعتقادي إن دور القطاع الخاص مهم جداً لتطوير الصناعات العسكرية، فأغلب الشركات التي تملك تقنيات خاصة بها تنتمي للقطاع الخاص، وهذا ما يجعل مبادرات معرض الدفاع العالمي ذات أهمية فائقة بالنسبة لمستقبل الدفاع. إنها مبادرات تلقى تقديراً عالمياً واسعاً يجب على القطاع الخاص في بلادنا استثمارها وتحويلها إلى مبادرات وصناعات وطنية وبتقنيات تولد وتتطور في مراكز أبحاثنا بعد أن تستفيد من التجارب العالمية. بقي أن أذكر أن تطور التقنيات العسكرية كونه استثمار في الأمن والاقتصاد هو كذلك استثمار في تطوير التقنيات الأخرى المرتبطة بجودة الحياة ورفاهية الإنسان.