شاحنة (دينا) تعاكس الطريق، وشاحنة ضخمة (تريلة) تخرج من مسارها الأيمن إلى اليسار فجأة وتتجاوز أكثر من شاحنة وتبقى في أقصى اليسار وسائقها يستغل ضخامتها وحماية كتلة الحديد لإخافة رواد الطريق، وحافلة نقل تسير بسرعة فائقة وتتجاوز ذات اليسار وذات اليمين وتنثر بقية المركبات حولها على قارعة الطريق، هذا ينقلب وذاك يصطدم بغيره وثالث محظوظ يخرج عن الطريق.

العالم كله يشهد بأننا شهدنا تطورا عظيما في جميع المجالات، حتى أن شعوبا كثيرة أصبحت تستشهد بتطورنا ليكون أمنية يتمنون عشرها، والعشر كثير، تطورنا وبسرعة في تسخير الإلكترون والإنترنت والحكومة الإلكترونية في إجراء تعاملاتنا خلال ثوانٍ معدودة ومن داخل المنزل، بل ومن جوف السرير في حين يتكبد غيرنا، حتى في دول متقدمة، مشقة السفر أو زحام الطرق لإنجاز معاملة، بينما نحن ننهي التقاضي في المحاكم ونشتري العقار ونبيعه ونفتح السجل التجاري ونجدد الرخص والجوازات بضغطة زر، وغني عن القول إننا نقود العالم في الخدمات الإنسانية وحماية البيئة ومحاربة الفساد وجودة الحياة فأصبحنا القدوة الأولى عالميا.

كل هذا التطور لا ينكره إلا جاحد أو كاره، كما أن تدني الوعي المروري وضعف الرقابة الميدانية البشرية للمخالفات المرورية لا ينكرها إلا مكابر، وضعف الوعي المروري لدينا أسبابه عديدة منها استهتار بعض الشباب والبنات مواطنين ومقيمين بقوانين وأنظمة المرور والقيادة بتهور ومخاطرة تعرض حياة الآخرين للخطر، ومنها جهل الغالبية العظمى من السائقين المستقدمين من دول متخلفة جدا في أنظمتها المرورية وتعاني من جهل مدقع وتوظيفهم كسائقين لشاحنات و(قلابيات) و(تريلات) شركات دون تدريب كاف ولا توعية ولا تحذير بعواقب المخالفات بل معرفتهم مؤخرا أن التأمين يحميهم من تبعات الحوادث ماليا، لذا فنحن نعاني من مخالفات خطيرة جدا لا يرصدها ساهر ولا كاميرات المراقبة ولا تردعها الغرامات مهما بلغ ارتفاعها لأنها تتعلق بإزهاق أرواح، مثلما حدث مؤخرا للدكتور جاعم الشيحي وكامل أسرته - تغمدهم الله برحمته - وشفى المصابين، فقيام شاحنة بعكس الطريق لا يمكن رصده إلا برقيب بشري متواجد بكثافة وهذا ينقصنا كثيرا سواء داخل المدن أو على الطرق الطويلة.

أرتاد طريق الرياض - سدير بصفة شبه شهرية فأرى عجبا عجابا من (تريلات) يفترض التزامها بأقصى اليمين تنحرف إلى اليسار فجأة وتتجاوز وتبقى وكأنها جبل يتوسط الطريق السريع وحافلات نقل جماعي يفترض أن سرعتها لا تزيد على 100 كم / ساعة تتجاوز 130 كم / ساعة، أما شاحنات النقل الأصغر (دينا) فلا تستطيع أن تتنبأ بما يفعل سائقها، فيتجاوز من اليمين وينحرف يسارا بسرعة دون اكتراث باتزان المركبة، ولا أنسى تلك الشاحنة نوع (دينا) التي تجاوزتني ليلا من اليمين مسرعة رغم أنها تحمل أضعاف ارتفاعها من أقفاص الدجاج الحي، ثم واصلت سرعتها تتجاوز المركبات وتنحرف يمينا وشمالا ثم رحمني الله ورحم من هم خلفي من السيارات المسرعة عندما فوجئنا بجحافل من الدجاج تستقبلنا مسرعة نحو ضوء سياراتنا لتقول لنا إن الشاحنة أمامنا مقلوبة في وسط الطريق!! ولولا لطف الله ثم إنذار الدجاج لحدثت تصادمات كارثية، فالسائق رغم سلامته وخروجه من الشاحنة لم يدرب لوضع مثلث التحذير أو أي منبه لوجود شاحنة مقلوبة في الطريق السريع.

المؤكد أننا نحتاج إلى تكثيف الرقابة البشرية الميدانية على الطرق الطويلة وإيقاف المخالفين وتطبيق عقوبات رادعة (غير المالية) على المستهترين بحياة الآخرين مثل التسفير والسجن وسحب الرخصة ومعاقبة الشركة التي لا تدرب السائق وتحذره وتفرض دورات توعية بالمخالفات والعقوبات.