ينشأ الصراع من "نقطة الهجوم على الوسط الساكن" (وهو اتخاذ قرار من الشخصية المحورية، قرار غير متوقع منها، حيث يحدث ذلك الانفجار في أفعال الشخصيات)، فليس كل الحوارات والصور والتنقلات الزمكانية تستطيع أن تخلق عملاً درامياً أو تصنع عملاً وأفعالاً تدفع الفعل للأمام، فالصراع هو وحده الذي يدفع الأحداث إلى الأمام والاستمرار..

إن أهم ما في التأليف كله هو بناء الأحداث وليست حوادث الإنسان، ولكن أحداث الموضوع (الفعل الذي يقوم عليه الصراع) وحوادث الحياة من شأنها إذكاء شعلته. كما يكتب أي منها قوانين للكتابة رغم وجود قوانين لكل نوع من أنواع الفنون كالرسم والموسيقى والشعر.. إلخ، مما يتوجب علينا اتباعها، فلا شك أن عدم وجود قوانين للكتابة ضرب من ضروب اللامعقول، وأهمها ذلك الصراع مهما تعددت المدارس والمناهج منذ ولادة الدراما حتى آخر النظريات مثل التفكيكية وما بعد الحداثة وصولاً إلى نظرية الكوانتم.

إلا أن ما يهمنا هنا هو قوة الربط بأن يكون ثمة شيء ما لاستنباط هذا التوتر وإحداثه، شيء يخص التعقيد، وينبغي أن تكون ثمة قوة تتولى الربط بين جميع هذه الأجزاء، قوة تصدر عنها كل هذه الأشياء وتنمو منها بطريقة طبيعية كما تنمو أعضاء الجسم من الجسم وهو الصراع.

إن أهم ما يقود الصراع هي الدياليكتيكية أي الدعوى ونقيضها، سيتكون الموضوع المركب الذي يتحد فيه النقيضان ببعض وهذا هو سبيلنا إلى الكتابة.

حين سئل (جورج بيرس بيكر) من كلام ألكسندر دوماس الابن -وهو أي جورج بيرس بيكر- مؤسس أعظم مدرسة في تعليم التأليف بالولايات المتحدة الأميركية، هذا المعلم الكبير يقول: كيف يمكنك أن تذكر لنا الطريق الذي سوف تسلكه ما لم يعرف إلى أين أنت ذاهب؟ والمقدمة المنطقية هي التي سوف تدلك على ذلك الطريق، والمقدمة المنطقية تحدث بسؤال نسأله أو بفرضية نفترضها، كمثل: هل يمكن العيش في عالم الآلات بدون الإنسان؟

هذه هي المقدمة المنطقية أو الفكرة الأساسية ويمكن أن تسمى النتيجة الرئيسة للعمل، يقول (لايوس إجري): لن تعرف مطلقاً إلى أين تسير ولا كيف تنتهي، إنك ستظل تتخبط وتتعثر وتنطح الصخر برأسك لكي تخترع مواقف أخرى تكمل بها روايتك أو مسرحيتك وتتعثر وقد تجد هذه المواقف لكن هذا لن يعود عليك بأي جدوى، لأنك على الرغم من حصولك عليها ستظل بلا عمل تقني فني.

ولهذا لا بد لك من فكرة أساسية أي مقدمة منطقية (أو فرض أولي كما يقول المناطقة)، وهذه الفكرة الأساسية هي التي تتولى هدايتك إلى الهدف المنشود الذي تريد الوصول إليه في روايتك.

يضع (موسى. ل. ماليفنيسكي M.L. MALEVINSKY) في كتابه (the science of play writing) قاعدة علمية للتأليف المسرحي هي أن (أ+ ب +ج من خلال 1-2-3-4-5+د-هـ + و+ ز من خلال ح = عملاً روائياً):

أ: انفعال أساسي أو عنصر من انفعال أساسي أو عنصر في هذا الانفعال ينشئ مشروعاً.

ب: تحميس هذا الانفعال أو عنصر الانفعال بواسطة شخصية.

ج: دفع الشخصية وحفزها من خلال:

1 ـ تجربة قاسية، 2 ـ صراع، 3 ـ تعقيد، 4 ـ أزمة، 5 ـ ذروة.

د: تتقدم بواسطة القصص والعقدة (يقصد المؤامرة) والحكاية.

هـ: تقسم بواسطة مواقف ناتجة عن ذلك.

و: يوشي هذا بتركيب مفصل عرض (طارئ)+ توجيهاً مطابقاً لأصول التأليف وذلك؛

ز: بتوضيحها بالكلام (يقصد الحوار) في المسرحية أو السرد في الرواية.

ح: ومتخيلة بالسليقة الفنية.

إن الكاتب يفرض لها عادة فكرة من الفِكَر، أو يعرض له موقفاً غير مألوف، وهنا نراه يقرر أن يؤلف رواية تلك الفكرة أو حول ذلك الموقف، والمشكلة تنحصر فيما إذا كانت هذه الفكرة أو ذلك الموقف صالحَين لأن يكون أساساً متيناً لإنشاء عمل روائي أو مسرحي حول واحد منهما.

فالشخصية هي من إبداع الكاتب المسرحي أو الروائي، بأن نعي شخصياته تمام الوعي ونحياها تمام الحياة، ولا سيما تلك الشخصية المحورية أو الشخصية الرئيسة في العمل الدرامي.

يقول (هنريك إبسن) عن الطريقة التي يتبعها في كتابته: "عندما أكتب أجلس منفرداً، وحسبي إذا كان لدى ثماني شخصيات في العمل الذي أكتبه، أن أكون في صحبة من الناس، كافية بأن تشغلني عن الناس كلها.

وهنا يلمح (هنريك إبسن) عن أهمية الفصل التام والاندماج الكامل لحظة كتابة الشخصية، فإذا كان وحيداً وهو يكتب أو به جمع غفير من الناس فإن الأمر يتساوى لأنه لحظة الكتابة يكون في عوالم الشخصية التي بين يديه.

والتعرف على الشخصيات عملية بطيئة وشاقة، والقاعدة التي كان يتبعها إبسن كما يقول: إني أجعل من مسرحياتي ثلاثة أنواع يختلف كل منها عن الآخر من حيث السمات المميزة. وهو هنا يشير إلى البعد عن تأثير أي شخصية من الشخصيات بالشخصية الأخرى أو الحرص على عدم العدوى من أي سمة من سماتها، ويقول: أقصد البعد كل البعد عن السمات المميزة وليس في طريقة التناول.

والجدل هو ما يكسب التوتر حتى آخر كلمة في العمل الفني، فالجدل هو فن التحاور والإقناع، وهو وضع مقدمات ثم الوصول إلى نتائج عبر العديد من التقلبات بين الأضداد.

هناك قضية مراد إثباتها، وهناك نتيجة تم افتراضها ثم التوصل إليها أو إلى عكسها بين الحدين يمكن وضع النقيض، هذا النقيض هو ما يخلق الجدل ومن هنا ينشأ من الحوار المغذي للصراع الذي لا مناص منه.

فالصراع ينشأ على الدوام من نتيجة الفعل الذي تقوم به الشخصية المحورية من فعل يؤثر على تعقيد الأحداث، وهذا ما قادني لتوضيح نقاش دار بيني وبين أحد الدكاترة الذي يدرس المسرح بأن احتد، ونافح بأن الصراع لم يعد مطلوباً في العمل المسرحي! في حين أن لا عمل مسرحي بلا صراع مهما تعددت المدارس وتجددت.

فالصراع ينقسم إلى أربعة أقسام رئيسة:

1 ـ الصراع الساكن، 2 ـ الصراع الواثب، 3 ـ الصراع الصاعد المتدرج ببطء، 4 ـ الصراع المرهص الدال من طرف خفي على ما ينتظر حدوثه.

وينشأ الصراع من "نقطة الهجوم على الوسط الساكن" (وهو اتخاذ قرار من الشخصية المحورية، قرار غير متوقع منها، حيث يحدث ذلك الانفجار في أفعال الشخصيات)، فليس كل الحوارات والصور والتنقلات الزمكانية تستطيع أن تخلق عملاً درامياً أو تصنع عملاً وأفعالاً تدفع الفعل للأمام، فالصراع هو وحده الذي يدفع الأحداث إلى الأمام والاستمرار، كما يستطيع أن يتولد منه صراعات أخرى. إن الصراع الحقيقي لا يمكن أن يتأتى إلا بوجود الهجوم المضاد والمؤدي إلى نتيجة حتمية.