في تطورات الاقتصاد المحلي، تمكّن اقتصـاد المملكـة مـن تجـاوز الأزمات والتحديـات العالميـة المتتاليـة، ويعـزى ذلـك إلـى القاعـدة الاقتصادية القويـة والمتينـة. إذ واصـل اقتصـاد المملكـة أداءه المتميـز مسجل أعلى معـدل نمـو فـي دول مجموعـة العشـرين خلال عام 2022، وتجاوزت قيمتـه الاسمية التريليـون دولار للمـرة الأولى في التاريخ، بحسب تقرير الميزانية العامة للدولة للعام المالي 2024.

وتسـتمر المملكـة فـي تنفيـذ العديـد مـن البرامـج والمبــادرات والإصلاحات الهيكليــة فــي إطــار رؤيــة الســعودية 2030 لتمكيــن التحــول والتنــوع الاقتصادي، والمســاهمة فــي تعظيــم دور القطــاع الخــاص والمنشــآت الصغيــرة والمتوســطة؛ لرفـع معدلات النمـو الاقتصادي والحفـاظ علـى الاستقرار والاستدامة الماليـة.

وسـجل اقتصـاد المملكـة خلال النصـف الأول مـن عـام 2023 نمـوا بنسـبة 2.5٪ مقارنـة بالفتــرة المماثلــة مــن العــام الماضــي، وســاهمت الأنشطة غيــر النفطيــة والأنشطة الحكوميـة فـي هـذا النمـو، إذ سـجل الناتـج المحلـي الإجمالي للأنشطة غيـر النفطيـة نمـوا بمعـدل 5.4٪، نتيجـة للأداء الإيجابي المسـتمر للقطـاع الخـاص، فيمـا سـجلت الأنشطة الحكوميــة نمــوا بمعــدل 1.6٪، بينمــا شــهد الناتــج المحلــي للأنشطة النفطيــة انخفاضاً بنسـبة 1.3٪، لاستمرار المملكـة فـي الخفـض الطوعـي لحصـص الإنتاج المتفـق عليهـا فـي أوبـك بلـس لدعـم اسـتقرار أسـواق البتـرول وتوازنها.

ووفقاً للبيانـات الفعليـة الصـادرة عـن الهيئـة العامـة للإحصاء، حقق الناتـج المحلي الإجمالي للأنشطة غيـر النفطيـة للربـع الأول مـن 2023 نمـوا بمعـدل 5.4٪، وواصـل أداءه الإيجابي خلال الربـع الثانـي بنمـو بلـغ 5.3٪، ممـا يعكـس نجـاح جهـود المملكـة فـي تعزيـز دور القطـاع الخـاص والتنـوع الاقتصادي التـي انعكسـت إيجابيـا علـى أداء الأنشطة غيـر النفطيــة، إذ ســجل نشــاط الخدمــات الجماعيــة والاجتماعية والشــخصية ونشــاط النقــل والتخزيــن والاتصالات النمــو الأعلى بمعــدل 13.5٪ و9.9٪ على التوالي للربع الثاني 2023، فيمــا ســجل نشــاط تجــارة الجملــة والتجزئــة والمطاعــم والفنــادق نمــوا بمعــدل 7.4٪ يليـه نشـاط الصناعـات التحويليـة -باسـتثناء تكريـر الزيـت- بمعـدل نمـو 4.3٪.

كما سـجل نشـاط التشـييد والبنـاء نمـوا بلـغ 2.4٪ للفتـرة نفسـها مـن العـام الحالـي. وشـهد الناتــج المحلــي للأنشطة النفطيــة نمــوا خلال الربــع الأول مــن العــام 2023 بمعدل 1.4٪، إلا أنـه أخـذ فـي الانخفاض خلال الربـع الثانـي مـن العـام الحالـي بمعـدل بلـغ 3.8٪ نتيجـة لإعلان المملكـة عـن خفـض طوعـي بمقـدار 500 ألـف برميـل يوميـا مـن بدايـة شـهر مايـو حتـى نهايـة العـام 2023، ومّدد لاحقاً حتـى نهايـة العـام 2024.

وبالنظــر إلــى تقديــرات عــام 2023، تشــير التقديــرات الأولية إلــى نمــو الناتــج المحلــي الإجمالي الحقيقــي بنحــو 0.03٪، مدفوعــا بشــكل أساســي بارتفــاع الناتــج المحلــي للأنشطة غيـر النفطيـة، حيـث مـن المتوقـع أن يسـجل نمـو يبلـغ 5.9٪، نتيجـة لاستمرار النمـو والتوسـع الـذي شـهدته معظـم الأنشطة غيـر النفطيـة خـلال العـام الحالـي. ومـن المتوقـع أن يسـجل معـدل التضخـم نحـو 2.6٪ بنهايـة العـام الحالـي، حيـث تعتبر مسـتويات التضخــم فــي المملكــة منخفضــة نســبيا مقارنــة ببقيــة دول العالــم، لتحســن الظــروف الاقتصادية المســتمر فــي المملكــة، بالإضافة إلــى اســتمرار التدابيــر الاستباقية التــي اتخذتهــا المملكــة منــذ العــام 2022، لمواجهــة موجــة الارتفاع العالمــي فــي معدلات التضخــم.

وســجلت مؤشــرات الاستهلاك الرئيســة معدلات نمــو إيجابيــة، حيــث ســجل الإنفاق الاستهلاكي الخـاص خلال النصـف الأول مـن العـام 2023 نمـوا بنسـبة 5.0٪ مقارنـة بالفتــرة المماثلــة مــن العــام الماضــي. حيــث ســجل مؤشــر مبيعــات نقــاط البيــع ومؤشر التجــارة الإلكترونية نمــوا منــذ بدايــة العــام حتــى شــهر ســبتمبر بمعــدل 10.2٪ و31.2٪ علــى التوالــي، انعكاســا للجهــود المبذولــة فــي تطويــر البنيــة التحتيــة للمدفوعــات، التــي ســاهمت فــي تعزيــز التحــول نحــو الاعتماد علــى وســائل الدفــع الإلكتروني، وستســتمر الجهـود نحـو تحقيـق مسـتهدفات برنامـج تطويـــر القطـــاع المالي، وتقليـل التعامل النقدي للوصـول بنسـبة المدفوعـات الإلكترونية إلى 70٪ مـن إجمالـي عمليـات الدفـع بحلـول عام 2025، ونتيجــة لذلــك شــهدت الســحوبات النقدية انخفاضاً بنسبة 0.8٪.

نمـو السـياح الوافديـن

كما سـاهمت الجهـود المبذولـة فـي تطويـر القطـاع السـياحي إلـى تحسـن الاستهلاك الخـاص، إذ حققـت المملكـة المركـز الثانـي عالميـا فـي نمـو عـدد السـياح الوافديـن منـذ بدايـة العـام الحالــي وحتــى شــهر يوليــو بنســبة 58٪ مقارنــة للفتــرة نفســها مــن العــام 2019 وفقًا لتقريـر السـياحة العالمي.

وأظهـرت معظـم مؤشـرات الاستثمار الخـاص نمـوا، حيـث سـجل إجمالي تكويـن رأس المال الثابت (غير الحكومي) خلال النصف الأول من العام 2023 نموا بمعدل 13.2٪ مقارنة بالفتـرة المماثلـة مـن العـام الماضـي.

ويشـير مؤشـر مديـري المشـتريات الـذي يعكـس أداء القطـاع الخـاص غيـر المنتـج للنفـط إلـى وصـول القـراءة منـذ بدايـة العام 2023 وحتـى شـهر أكتوبـر فـي المتوسـط إلـى 58.4 نقطـة مـن العـام الحالـي بارتفـاع سـنوي بلـغ 3.9٪ كنتيجـةٍ لمواصلـة نمـو القطـاع الخـاص غيـر النفطـي مـع تزايـد النشـاط التجـاري والأعمال الجديــدة، علــى الرغــم مــن التحديــات الناشــئة عــن ظــروف السياســة النقديــة والتطــورات العالميـة، مـع تحسـن ثقـة الشـركات فـي النشـاط الاقتصادي المسـتقبلي، وتجـدر الإشارة إلـى أن شـهر فبرايـر كان الأعلى قـراءةً منـذ 8 أعـوام، إذ وصـل المؤشـر إلـى 59.8 نقطـة.

ويشـهد سـوق العمـل تطـورات إيجابيـة كبيـرة خلال الفتـرة الحالية، اسـتجابة لخطـط الإصلاحات خلال السـنوات الماضيـة، حيـث أشـارت نشـرة سـوق العمـل الصـادرة عـن الهيئـة العامـة للإحصاء فـي بياناتهـا إلـى انخفـاض معـدل البطالـة الإجمالي فـي الربـع الثانـي مـن العـام 2023 إلى 4.9٪ مقارنــة بــ5.1٪ في الربــع الأول. كمــا انخفضــت معدلات البطالــة بيــن الســعوديين إلى 8.3٪ بانخفـاض مقـداره 0.2 نقطـة مئويـة مقارنـة بالربـع الأول، إذ تُعـد هـذه النسـبة ثانـي أقـل معـدل منـذ أكثـر مـن عقديـن.

وجـاء هـذا الانخفاض تزامنًا مـع النمـو المسـتمر والمتسـارع الـذي شـهده القطــاع الخــاص والمنشــآت الصغيــرة والمتوســطة منــذ انطــاق رؤيــة الســعودية 2030، التــي تهـدف إلـى توفيـر البيئـة المحفـزة والممكنـة للقطـاع الخـاص عبـر عـدد مـن الخطـط الاستراتيجية والمبـادرات الداعمـة، التـي تمثلـت فـي تنميـة القطاعـات الواعـدة، مثـل تطويـر قطـاع السـياحة، ورفــع نســبة المحتــوى المحلــي فــي مشــاريع تطويــر الصناعــة الوطنيــة والخدمــات اللوجســتية، وتحفيـز الصـادرات الوطنيـة وبرامـج التخصيـص، التـي سـاهمت فـي خلـق فـرص جديـدة للمواطنين، ومكّنـت سـوق العمـل مـن اسـتيعاب المزيـد مـن القـوى العاملـة السـعودية.

وسـاهمت الجهـود المتواصلـة لتوطيـن الوظائـف النوعيـة وتوفيـر الوظائـف المسـتدامة إلـى زيـادة أعـداد العامليـن السعوديين في القطاع الخاص بنهاية الربع الثالث من العام 2023 بنحو 153 ألف عامل، بنمو مقـداره 7.2٪ مقارنـة بنهايـة الربـع الثالـث مـن العـام 2022، وبذلـك بلـغ إجمالـي عـدد العامليـن السـعوديين فـي القطـاع الخـاص 2.3 مليـون موظفـاً وموظفـة، كمـا بلـغ إجمالـي الوظائـف التـي أضيفــت فــي الاقتصاد الســعودي فــي القطــاع الخــاص بنهايــة الربــع الثالــث مــن العــام 2023 حوالي مليون وظيفة مقارنــة بالربــع الثالــث مــن العــام 2022، تشــمل الســعوديين وغيـر السـعوديين.

واسـتمرت معدلات مشـاركة المـرأة فـي سـوق العمـل فـي الارتفاع بشـكل مطّرد، إذ ارتفـع المعـدل فـي الربـع الثانـي مـن العـام 2023م ليصـل إلـى 35.3٪ متجـاوزاً بذلـك مســتهدف رؤيــة الســعودية 2030 عنــد مســتوى 30٪، ممــا يعكــس جليــا ارتفــاع نســبة الوعــي بأهميـة مشـاركة المـرأة ونجـاح خطـط ومبـادرات تمكيـن المـرأة التـي أطلقتهـا الحكومـة تدريجيـاً خلال السـنوات الماضيـة لتواصـل المـرأة شـراكتها الفعالـة وتوسـع حضورهـا فـي التنميـة الوطنيـة، وتزيـد معـدل إسـهامها فـي النمـو بجميـع المجالات.

وحول معدلات التضخم، وبحسـب البيانـات الفعليـة للهيئـة العامـة للإحصاء، ارتفـع متوسـط النمـو فـي الرقـم القياسـي لأسعار المسـتهلك (معـدل التضخـم) منـذ بدايـة العـام الحالـي حتـى شـهر أكتوبـر بمعـدل 2.5٪ مقارنـة بالفتـرة نفسـها مـن العـام السـابق، إذ سـجل قسـم السـكن والميـاه والكهربـاء والغـاز وأنواع وقــود أخــرى منــذ بدايــة العــام حتــى أكتوبــر مــن عــام 2023 أعلــى نســبة ارتفــاع بيــن الأقسام الرئيســة فــي المؤشــر العــام للأسعار بنســبة 8.0٪، يليــه المطاعــم والفنــادق بنســبة 4.5٪، ثــم قسـم التعليـم وقسـم الترفيـه والثقافـة بنسـب بلغـت 2.4٪ و1.6٪ علـى التوالـي.

وبالنظــر إلــى متوســط المؤشــر العــام لأسعار الجملــة فقــد حقــق ارتفاعــا منــذ بدايــة العــام الحالــي حتــى شــهر أكتوبــر بنســبة 0.5٪، مقارنــة بالفتــرة نفســها مــن العــام الســابق، حيــث كان الارتفاع الأكبر فـي قسـم المنتجـات الغذائيـة والمشـروبات والتبـغ والمنسـوجات بنسـبة 3.7٪ وقسـم سـلع أخـرى قابلـة للنقـل فيمـا عـدا المنتجـات المعدنيـة والآلات والمعـدات بنسـبة 0.7٪، خلال الفتـرة نفسـها.

فيما شـهد الرقم القياسـي لأسعار العقارات ارتفاعا منذ بداية العام حتى نهاية شـهر سـبتمبر بمعــدل 0.8٪ مقارنــة بالفتــرة المماثلــة مــن العــام الماضــي، مسجلاً ارتفاعاً في مؤشــر الربـــع الثالـث مــن العام 2023 بنســبة 0.7٪ مقارنة بالربـع المماثـل مـن عـام 2022، نتيجـــة لارتفاع أســــعار العقــــارات الســــكنية بنســــبة 1.1٪، وانخفــاض العقــارات التجاريــة بنســبة 0.1٪، والزراعيــة بنسـبة 0.3٪، ممـا قلـلّ مـن نسـبة ارتفـاع المؤشـر العـام.

وتأثـرت معدلات التضخـم خلال العـام 2023 بعـدة عوامـل علـى جانبـي الطلـب والعـرض، منهــا تحســن الاستهلاك المحلــي الخــاص بالرغــم مــن اســتمرار ارتفــاع أســعار الفائــدة منــذ عــام 2022. بالإضافة إلــى الأزمة الروســية–الأوكرانية التــي كان لهــا الــدور فــي اضطــراب سلاسل الإمداد. إلا أن السياسـات الماليـة والنقديـة المتبعـة فـي المملكـة حـدت من أثـر التضخم، للوصول إلـى تراجـع معـدل التضخـم بشـكل مسـتقر نسـبيا.

وحول الاستثمار الأجنبي المباشر، تمكّنت المملكـة بمركزهـا الاقتصادي مـن جـذب اسـتثمارات أجنبيـة مباشـرة بنحـو 14.3 مليـار ريـال خلال النصـف الأول مـن عـام 2023، حيـث ارتفـع عـدد التراخيـص الاستثمارية التـي أصدرتهـا وزارة الاستثمار بنحـو 60.4٪ لتصـل إلـى حوالـي 3,456 ترخيـص خلال النصـف الأول مـن العـام 2023، مقارنـة بالفتـرة نفسـها مـن العـام الماضـي.

وتُعـد الاستراتيجية الوطنيـة للاستثمار عنصـراً أساسـياً وممكناً فـي رؤيـة السـعودية 2030 التي تهــدف إلــى توليــد فــرص اســتثمارية متنوعــة وقويــة، ورفــع صافــي تدفقــات الاستثمار الأجنبي المباشـر، وتحسـين البيئـة الاستثمارية، وتسـهيل العقبـات أمـام المسـتثمر الأجنبي، لزيـادة نسـبة مشـاركة الاستثمارات مـن إجمالـي الناتـج المحلـي مـن 22٪ في عام 2019م إلى 30٪ في عام 2030.

وفيما يتعلق بأسواق البترول، علق تقرير الميزانية العامة للدولة للعام المالي 2024، على انخفاض متوسـط أسـعار العقـود الآجلة لخـام برنـت منـذ بدايـة العـام 2023م وحتـى نهايـة شـهر سـبتمبر مـن العـام نفسـه بنسـبة 20.0٪، ليسـجل حوالـي 81.9 دولارا للبرميـل مقابـل 102.5 دولار للبرميـل للفتـرة نفسـها مـن العـام السـابق.

وبالرغـم مـن حالـة عـدم اليقيـن التـي مـرت بهـا الأسواق العالميـة؛ سـجل متوسـط أسـعار العقـود الآجلة لخـام برنـت خلال شـهر سـبتمبر للعـام 2023 ارتفاعا ليصـل إلـى حوالـي 93 دولارا للبرميـل، ويعـزى انخفـاض متوسـط أسـعار البتـرول خـلال العـام 2023م مقارنة بالعام السـابق إلى اسـتمرار تشـديد السياسـات النقدية من قبل البنوك المركزية وارتفاع إنتاج البتـرول مـن الـدول خـارج مجموعـة أوبـك بلـس، بالإضافة إلـى أن الأسعار فـي عـام 2022م كانـت مرتفعـة بسـبب توقعـات انخفـاض الإمدادات بشـكل كبيـر بسـبب الأزمة الروسـية الأوكرانية.