أولئك الرجال الذين قدموا لدينهم ووطنهم وللبشرية خدمات جليلة ثم رحلوا عن هذه الدنيا بذكر حسن، لم يضروا أحدا ولم يظلموا أحدا ولم يسيئوا لأحد، وهم كثير جدا في وطننا وفي مجتمعنا الكبير، وكثير في حدود مجتمعنا الصغير وحدود معرفتنا وتجربتنا عن قرب.
وأنا هنا سأقتصر على من عايشتهم عن قرب أو عملت معهم أو لهم أو زاملتهم في مواقع عمل، وقد أنسى منهم أحدا في ظروف كتابة مقال سريع، لكنني أدعو لهم جميعا في كل وقت، وأذكر متابعي في منصة (تويتر) سابقا و (X) حاليا بالدعاء لهم في ساعة استجابة، وهذا من حقهم علينا وخير عظيم يضاف لعلمهم النافع الذي يستفاد منه والصدقات الجارية التي يقوم عليها أبناؤهم ومحبوهم، وغني عن القول إن دعاءنا لهم يذكرنا بهم وبما قدموا ويجعلنا نعتبر أننا سائرون في ذات الطريق القصير جدا الذي ساروا عليه والمحطة المؤقتة التي توقفوا بها ثم رحلوا.
وعندما نذكر أولئك الرجال الأفذاذ فما من داع لترتيبهم لا بالعمر (فقد عادوا شبابا) ولا بالجاه (فإن أكرمهم عند الله أتقاهم، كما كانوا في حياتهم، وجميعهم برحمة ربهم في منزلة عظيمة ودرجات عالية)، ولا بمناصبهم في الدنيا، (فمكانتهم كمسلمين عند رب رحيم أرفع من كل مكانة برحمة ربهم).
حمد بن محمد الحبيش خدم وطنه منذ تخرجه محاسبا بالعمل في شركة الغاز الأهلية حتى أصبح مدير عام الشؤون المالية فيها، وطور الشركة بشهادة زملائه وعلى رأسهم معالي الشيخ عبدالله العلي النعيم رئيس مجلس الإدارة آنذاك، وعرفته كريما شهما غيورا على دينه ووطنه، وحمد بن سليمان السعيد خدم الوطن معلما في المعهد المهني بعد تخرجه من إيطاليا وكان طيب القلب حسن المعشر محبوبا من كل من عرفه أو تعامل معه، وعبدالله بن إبراهيم الجدعان بدأ حياته في البيع والتجارة بأمانة وصدق وتصدق ثم عمل في مراكز الرعاية الصحية وكان يخدم المرضى ويساعدهم ويعطف عليهم ويعين من يحتاج العون منهم، وطبيب الكبد عبدالمحسن بن عبدالله التويجري الذي أسميه (مجموعة إنسان) فقد أسس لزراعة الكبد في مستشفى الحرس الوطني وكان خلف كل تطوير طبي وإداري فيه بصمت ولا يرد محتاجا أو طالب علاج عرفه أو لم يعرفه، وحسين الفراج زاملته في صحيفة الجزيرة فكان قمة في الخلق والطيبة والكرم وصاحب ابتسامة تخلق السعادة ولطف لا يعرف الأذى لا يغتاب ولا يحقد وإن أسيء له صفح، ومنصور التركي عرفته مديرا لجامعة الملك سعود وتحسبه من لطفه طالبا فيها ومن متابعته وإخلاصه وتواجده تظنه أصغر موظفيها لا يغضبه نقد ولا يحمل حقدا ولا يظلم أحدا ولا يقبل ظلما لأحد سواء طالبا أو مستخدما ولا يقبل تقصيرا من كائن من كان، ومحمد المعجل أعظم مدير شؤون صحية مر على الوطن إخلاصا وتفانيا وعدم تعصب لمهنة، فتعصبه كان للمريض وللوطن، لا أنسى رقابته بنفسه على فواتير المستشفيات الخاصة واستعانته بخريجي الطب والصيدلة والتمريض لمراجعتها، ومحمد الشريدة الذي أدار مستشفى الحرس باقتدار بعيدا عن الصورة والإعلام همه المريض لاسيما من يحتاج لعون أو جهاز أو أمر علاج، كان زميلا لنا لم أشعر قط أنه المشرف العام، لطيف المعشر دائم الابتسامة رقيق المشاعر، وأسامة شبكشي أقوى وزير صحة، قاد الوزارة في أضعف مراحل إمكاناتها في مرحلة هبوط اقتصادي عالمي وأزمة الخليج، ولم يمنع ذلك من تحقيق النجاح لأنه رجل وباختصار يعمل بما يرضي ربه ويرضى به ضميره، لو ألفت فيه كتبا لم أوفه حقه، وتركي بن عبدالله السديري الرجل الذي رغم أنه حقق كل مجد كرئيس تحرير إلا أن الإنسان كان قضيته الأولى لا يحجب نقدا أو يتردد في نشر تحقيق صحفي طالما علم أن محتواه حقيقة ويعالج وضعا لضعيف، منه ومنه فقط عرفنا أن رئيس التحرير يبلغ من الثقة في نفسه أن يجلس على طرف طاولة مكتبك ويمازحك و(ينكت) عليك وإن قصرت (نكد) عليك، مواقفه الإنسانية والوطنية لا يحصيها مقال وإن طال، وطلعت وفا، ذلك الصحفي الرائد في مجال الإعلام بكل اللغات رجل أحبه كل من عرفه وأجزم من طيبة قلبه أنه مات مبتسما، ومحمد الوعيل ذلك الإنسان الذي تشعر من لطفه ودماثة خلقه أنه سيموت غدا، على أساس أننا نخشى على اللطيف أن تكون منيته قد حانت ووداعه اقترب، لم تسمع أذني حتى اليوم أهدأ من صوته، ولم تر عيني مثل تحكمه في انفعالاته وحفاظه على ابتسامته في كل وجه وفي كل وقت وظرف، وفهد العبدالكريم الذي زاملته محررا وعرفته رئيسا للتحرير وأنا خارج جريدة الرياض ورغم أن المرض لم يمهله كثيرا كرئيس تحرير إلا أنه استحق مني لقب رئيس الصابرين، زرته مريضا فأحرجني بلطفه وأبهرني بصبره وقوة إيمانه.. رحمهم الله جميعا وجمعنا بهم في الفردوس الأعلى من الجنة بفضله ومنته، ولا تنسوهم ولا تنسونا من دعائكم.
التعليقات