لنتفق أن الرواية مرآة للعالم من حولنا، والكاتب يحتاج إلى فكرة ما قد تكون رمزاً أو شعوراً حول الإنسانية والتحرر والكرامة والعدالة والظلم والجور الاجتماعي، بمعنى نقد الواقع بطريقة مختلفة، ونقد تفاهة الحياة اليومية، إلا أن الزمن الآن أصبح أكثر حدة وسرعة، فالتطورات السريعة التي شهدها العالم خلال السنوات الماضية وما مر به العالم من أحداث أثرا على الحياة بكل جوانبها الاجتماعية والسياسية والثقافية. لتنعكس بشكل مباشر أو غير مباشر على واقع الأدب والرواية العربية بمجملها سواء من ناحية الصياغة والحبكة وطريقة سرد مجريات الأحداث أو من ناحية المحاور الأساسية للرواية والمؤثرين بها. لتظهر العديد من النقاشات والأبحاث والندوات التي تتكلم عن الرواية وتحديات الواقع المعاصر.

إن التطور التكنولوجي والعلمي والمعرفي الكبير الذي أحدث نقلة نوعية كبيرة في أسلوب الحياة والفكر الإنساني كان لا بد أن يؤثر على طريقة تفكير الكاتب وطريقة سرده للرواية وأحداثها واختلاف القيم والمعتقدات لدى الشخصيات التي يتحدث عنها، فالعديد من الكتاب والأدباء والنقاد تكلموا عن اختلاف واضح بين الرواية قديماً والرواية الجديدة المعاصرة، ففي "ملتقى الشارقة للسرد دورة 18" تكلم عن حال الرواية وتحديات الواقع المعاصر وكيف تحولت إلى الاستنباط الذاتي والبعد عن الأنسنة وعدم المزامنة، إضافة إلى التشظي وظهور المراقبة الذاتية. فالعالم المعاصر فيما بعد الحداثة أصبح من وجهة نظر الأدباء خالياً من المعنى، والرواية المعاصرة كانت رد فعل مباشراً للواقع، وأصبحت بعيداً كل البعد عن القيم الأخلاقية والنسب المعرفية والميل نحو الذات والتعددية. وقد أسهمت التكنولوجيا المتطورة ووسائل التواصل الاجتماعي في المساعدة على نشر الرواية بين القراء بعيداً عن أيدي الرقابة حيث نشرها يتم بالمجان ومتاحة للجميع مما أثر بشكل واضح على فكر القارئ وثقافته ومعتقداته. إضافة إلى انتشار نوع من الرواية التي لا يرتقي إلى مستوى الرواية بمعناها الفني، ولا تمتلك مقومات الرواية الإبداعية. ولا يمكن الكلام عن الرواية وتحديات الواقع المعاصر التي تواجهها من دون أن نتكلم عن البعد البصري الذي طغى بشكل كبير سواء عبر تحويل العديد من الروايات إلى مسلسلات أو إلى أفلام سينمائية مما أبعد عدداً كبيراً عن القراءة. إضافة إلى تحويل الكتب إلى مسموعة مما سهل على محبي المعرفة أن يستمعوا إلى هذه الروايات والقصص من دون الحاجة إلى قراءتها.

ورغم التطور الكبير الذي شهدته الرواية العربية من ناحية الكم أو النوع إلا أنها لاتزال بعيدة عن البحث في مجال الخيال العلمي والتطور التكنولوجي والبحث في المستقبل بل بقيت ضمن الإطار الاجتماعي والسياسي والاقتصادي لمجتمعات تعاني العديد من الأزمات والصعوبات الاقتصادية والحروب والثورات.

ليظهر التطور واضحاً في عدة مجالات محددة استطاع بعض الكتاب والروائيين أصحاب الجرأة في الخوض فيها وهي السياسة والدين والجنس، فالعالم الافتراضي فتح أمامهم مجالاً واسعاً لنشر أفكارهم ورواياتهم من دون قيد. ورغم كثرة الحديث عن الرواية وتحديات الواقع المعاصر إلا أننا نجد أنها استطاعت أن تنجو وأن تنمو وتزدهر رغم كثرة التحديات ورغم ظهور العديد من البدائل إلا أن الكم الكبير من الروائيين الذين استطاعوا أن يستغلوا وسائل التواصل والتقنيات الحديثة ليثبتوا موهبتهم ويحققوا انتشاراً كبيراً وواسعاً، استطاع أن يحافظ على قيمة الرواية وأهميتها باعتبارها أحد أهم الفروع الأدبية المعاصرة.