الحالة الثقافية لأي مجتمعٍ ما، هي تركيبةٌ متمازجة لكثير من العوامل، والتفاعلات الإنسانية، منها الدينية والقيميّة، ومنها ما يستند على العادات والتقاليد والأعراف، ومنها ما تشيده حركة الفنون والإبداع الإنساني عبر الزمن، إلى غير ذلك من المؤثرات، ومن الصعوبة بمكانٍ أن يبقى مجتمعٌ مهما كان استقراره وثباته على حالة ثقافية سائدة، عبر السنين والحقب التاريخيّة، فالتوجهات السياسيّة، والتطورات الاقتصادية، تؤثر في مسيرة المجتمع وتحوّله فكرياً، واجتماعياً، والمتابع لمراحل التطور والتنمية التي يعيشها المجتمع السعوديّ المعاصر، يدرك مدى المتغيّرات المتطورة في طبيعة هذا المجتمع، مع مرونة هائلة يتمتع بها هذا المجتمع (الشاب) -باعتبار الأغلبية- إذْ كان من حسن طالعه، أنْ هيأ الله بقدرته، وحكمته قيادةً حكيمة شابّة أيضاً، تتمتّع -حفظها الله- بالجسارة، وروح التحدي والطّموح، وتأخذ من آخر نقطة وصلت لها التطورات الإنسانية طريقاً لها، تؤسّس فيه لأحدث نهضةٍ حضاريةٍ معاصرة، بل وتتجاوز ذلك لاستشراف مستقبلها القادم عبر رؤىً مدروسةٍ وأحلامٍ مستقبليّة تصبح واقعاً حقيقيّاً، مع تنامي هذه النهضة المجتمعية المتكاملة، فالثقافة الرقميّة المعاصرة التي يصطبغ بها هذا الجيل، تتقاطع مع هذه الرؤى الوطنية المتقدمة، وتنسجم معها تماماً، بدءاً من الاهتمامات الفردية الخاصّة، والتعايش الرقميّ اليوميّ، مروراً بكافة الإجراءات الحكوميّة اليوميّة التي يمارسها المواطن في كافة قطاعات الدولة، ولقد باتت هذه التحولات مشروعاً فريداً يأخذ في أنساقه المختلفة كافّة شرائح هذا المجتمع، شباباً وشيّاباً ورجالاً، ونساءً، وصغاراً، وكباراً، وأصبحت أنماط المعيشة اليومية تنسجم مع هذه النقلات التكنولوجيّة، لتوائم تطلعات المستقبل، وتتفاعل مع مشاريعه الطّموحة، فمدينة (نيوم) الحضارية -على سبيل المثال- أو مشاريع الترفيه والسياحة، أو المدن الاقتصادية والشركات العالمية، أو تطور الحركة الرياضة وانتشارها إعلامياً وعالميّاً، وصولاً للفوز بمعرض (إكسبو) العالميّ، إلى غير ذلك من مظاهر القفزات التنمويّة المتتالية في مختلف الجوانب، هي سماتٌ واضحة، ودلالاتٌ جليّة على طبيعة التغيرات الثقافية، التي يعيشها المجتمع السعوديّ المعاصر، ولا أدلّ على ذلك من ازدهار سوق التقنية الرقميّة، وانتشار استخدامها على نطاق واسع، مع تقاطع استخدام هذه الأجهزة والتطبيقات بكافة شؤون وشجون الفرد، ليشكل مع غيره مجتمعاً متفاعلاً مع هذه التحولات، ويوظّفها في كل جوانب حياته وعلاقاته الإنسانية، والعمليّة والمعيشيّة، ومع ذلك فإنّ ميزة هذه التحولات هي مرونتها الفائقة من خلال التطور المتسارع، مع الحفاظ على الهوية الخاصة المرتكزة على أسس دينيّة، وقيميّة يعتمد عليها هذا المجتمع وينطلق منها، مستنداً على اقتصاد متينٍ له طموحه وخططه الرياديّة المستقبليّة، وهذه سمةٌ مهمّة، يندر وجودها في مجتمعٍ ما؛ وذلك حين يجمع هذا المجتمع بين الثّبات على أصالته وعراقته التاريخيّة، مع سعيه في الوقت نفسه للظّفر بآخر ما استجد من الإبداع البشريّ المُنتِج، والفاعل، الذي يأخذ الإنسانَ إلى حياة متحضّرة، وناهضة بالإنسان وفكره وعطائه. ‫