لم يكن مساء الثلاثاء الماضي الثامن والعشرين من نوفمبر يوماً عادياً على السعوديين جميعاً حينما نالت المملكة وبجدارة حق استضافة المعرض العالمي إكسبو للعام 2030.. كنت مع أولادي متسمّراً أمام التلفزيون أتلقى النبأ بحلم الواثق، ووعد الواقع. نعم، حلمت بمثل هذه النجاحات المتلاحقة، على الرغم من انتمائي لجيل تغرّبت أحلامه وتفرّق دمها بين تشدّد وآخر ربما لأن هناك أحلاماً أخرى تتجاوز الحكاية للوجود والشعر للخلود واليوم للغد، إنها أحلام من هم في جيلي ممن قطفوا من السنوات قصائدهم ومن الأيام مخبأ لأحلامهم، فقد عبروا عقودًا أربعة من الركود وانغلاق الفضاء في وجوه أحلامهم، حتى تجلّى لهم قائد شاب يقول منذ أول الضوء: «علينا أن نعود لما قبل هذه العزلة».. تماماً تماماً.. حيث كنت بين أولادي أستعيد معهم مقولة ولي العهد الملهم وهو يؤكد: «سنعود بالسعودية إلى ما قبل 79» قلت لهم أتعرفون ما الذي يعنيه هذا.. يعنيه أن نستعيد يومنا، أن نحصي أيامنا بالحياة، لا بانتظار الموت لنحيا، نعم، نحن مواليد أول السبعينات أو آخر الستينات لا فرق حينما اختطفوا الحياة منا تحت مسمّيات لا حصر لها.. تهنا طويلا وتفرّقت بنا السبل والإقصاء والأحادية. لا أكرر ما يقال هنا، ولا آتي بجديد حينما أحدّث أولادي عن هذه اللحظة التي أكشف لهم فيها عن أحلامي المؤجلة، حيث يأخذنا الحديث إلى نساء كنّ يبعن منتجهنّ في سوق قريتنا التي آخذهم إليها بين عام وآخر، بينما نعبر اليوم «مولاً» يعج ببناتنا، وأقول لهم النساء في باديتنا كنّ يقدن السيارات ويدرن شؤونهن في الصحراء، لا أكرر ما يقال حين أحدثكم عن حواري معهم حول هذه السعودية الجديدة التي تستعيد «أنْسَنتها» على يد قائد مستقبلها سمو الأمير محمد بن سلمان، حيث ننصت إليه جميعاً ينثر بين يديهم كل أحلامي المؤجلة التي خبّأتها حد التغييب عن سطوة أو صحوة ذلك العصر الذي كنت فيه بذات أعمارهم. ويعلم الله أنني لا أرغب بتشويه سنين كنتُ منها، ولا زمن محسوب عليّ ومحسوب عليه، لكنني أصحو فجأة على حزمة من الأحلام المؤجلة تتحقق تباعاً وتتسارع خطواتها مع اقتراب الرؤية الميمونة من بلوغها كل يوم، ولعلني كنت دائمًا منحازاً لأضغاث المدينة في صدري. منحازًا منذ ذلك الزمن الذي تغرّبتُ فيه، للمدينة التي تعدّ لأهلها مأدبة الحياة كل يوم. لذلك حينما أتسمّر اليوم مع أسرتي بانتظار إعلان مدينة الرياض محضناً نوعياً لهذا المعرض العالمي الذي يستمر لمدة 6 أشهر، يجذب خلالها ملايين الزوار بهدف التعرف على الأجنحة والفعاليات المقامة داخل المعرض،التى يتم تنظيمها من قبل ملايين المشاركين، إذ توجد بينهم الشركات والحكومات والمنظمات، حيث يعد هذا المعرض ثالث أهم حدث بعد كل من بطولة كأس العالم لكرة القدم ودورة الألعاب الأولمبية من حيث الصدى الاقتصادي، حينما أفعل كل ذلك وأحتفل مع أسرتي بهذه المناسبة، إنما أقيم حفلة عناق مع تلك الأحلام المؤجلة حينما تتحقّق أخيرًا على يد قائد ينشد التاريخ.. وما نشد التاريخ يومًا من كان بهمّته إلا بلغه. حفظ الله لنا قادتنا حينما أعانونا على تحقيق أحلامنا بعد أن تأجّلت طويلاً.
فاصلة:
كلنا للرياض نحرّك عقربَ ساعتنا باتجاه شوارعها ثم نوشك بالظل قبل الغروبْ، لا تكمّم فمي، إنها مئزر الوقت تحمل قنديلها راعشاً في الشتاء لتدفئ أوردةَ الصبر فينا. وتنتعل الريح. خاتمها شاعر جاء من غير وعدٍ بها ثم حكَّ فراء قصيدته واستوى للبياضْ. لا تكمِّمْ فمي.. أول الشعر أنثى، وآخره بقعة زوجوها الخزامى؛ فجاءت لنا بالرياض.
التعليقات