شهد قطاع البنوك الخليجية الآثار الأولية لارتفاع تكاليف الإقراض خلال الربع الثالث من العام 2023، إذ انخفضت التسهيلات الائتمانية للبنوك المدرجة في ثلاثة من أصل ستة دول في المنطقة مقارنة بالربع الثاني من العام 2023. إلا أن القيمة الإجمالية للقروض على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي شهدت نمواً بنسبة 1.5 في المئة بدعم من مرونة نمو الإقراض في السعودية والإمارات، في حين أظهرت البنوك المدرجة في قطر نمواً هامشياً، ويعزي هذا النمو بصفة رئيسية إلى قوة وتيرة المشاريع قيد التنفيذ في السوق بالإضافة إلى الجهود الحكومية للحد من تأثير ارتفاع أسعار الفائدة.

ووفقاً لتقارير رويترز وبحوث كامكو إنفست، فقد وصل إجمالي قيمة القروض التي قدمتها البنوك المدرجة في دول مجلس التعاون الخليجي إلى مستوى قياسي جديد بلغ 1.95 تريليون دولار بنهاية الربع الثالث من العام 2023. وبلغ النمو على أساس ربع سنوي 1.5 في المئة أو ما يعادل نحو 28.9 مليار دولار. وبالمثل، سجل إجمالي صافي القروض نمواً أعلى قليلاً بنسبة 1.6 في المئة خلال هذا الربع ليصل إلى 1.85 تريليون دولار، وكان النمو على أساس سنوي قويا بنسبة 6.8 في المائة لكل من صافي القروض وإجمالي القروض. أما على صعيد السيولة، ارتفعت ودائع العملاء بوتيرة مماثلة بنسبة 1.5 في المئة على أساس ربع سنوي لتصل إلى 2.34 تريليون بعد انخفاض ودائع العملاء في قطر والبحرين وعمان، وهو الأمر الذي قابله ارتفاع الودائع في بقية الأسواق، وكانت النتيجة الصافية للنمو بوتيرة تكاد تكون متعادلة تقريباً بين الإقراض والودائع تسجيل إجمالي نسبة القروض إلى الودائع لمعدل نمو هامشي لتصل إلى 79.1 في المائة بنهاية الربع الثالث من العام 2023.

من جهة أخرى، ارتفعت القيمة الإجمالية لصافي إيرادات البنوك الخليجية للربع الثالث على التوالي لتصل إلى 13.8 مليار دولار في الربع الثالث من العام 2023 مسجلة نمواً بنسبة 1.3 في المائة على أساس ربع سنوي بدعم من ارتفاع صافي إيرادات الفوائد وايرادات غير الفوائد خلال هذا الربع. حيث ساهم ارتفاع أسعار الفائدة في تعزيز صافي إيرادات الفوائد خلال هذا الربع. كما أدى انخفاض مخصصات خسائر القروض من 2.7 مليار دولار إلى 2.3 مليار دولار إلى تعزيز صافي الربح. وأدت زيادة مصروفات التشغيل بنسبة 14.0 في المئة على أساس ربع سنوي خلال الربع الثالث من العام 2023 إلى التأثير على معدل النمو الإجمالي إلى حد ما.

من جهة أخرى، كشفت التقارير الواردة من معظم الاقتصادات العالمية عن تفاقم الضغوط على المقترضين نتيجة لبيئة أسعار الفائدة المرتفعة، في ظل وصول أسعار الفائدة للبنوك المركزية إلى أعلى مستوياتها المسجلة منذ أكثر من عقدين. ووفقا لصندوق النقد الدولي، زادت مخاطر الائتمان حيث يواجه المقترضون من الأفراد والشركات ارتفاع تكاليف خدمة الدين مما يؤدي إلى ارتفاع مخاطر التخلف عن السداد. وقد أثر هذا الوضع بصفة خاصة على سوق القروض التمويلية في ظل ارتفاع حالات التخلف عن السداد، وقد يتفاقم هذا الأمر في السنوات المقبلة حيث من المقرر أن تبلغ قيمة ديون الشركات نحو 5.5 تريليونات دولار أمريكي في العام 2024.

ويشمل هذا التقرير تحليل البيانات المالية التي تم الإعلان عنها من قبل 58 بنكاً مدرجاً في بورصات دول مجلس التعاون الخليجي عن فترة الربع الثالث من العام 2023. ويتضمن هذا التقرير تجميع البيانات المصرفية الفردية على مستوى كل دولة منفردة. وتتضمن أبرز الملاحظات الرئيسية بناء على تحليل أحدث البيانات المالية على أساس ربع سنوي لقطاع البنوك الخليجية النقاط التالية، فقد بدأت التأثيرات الناجمة عن قيام البنوك المركزية العالمية برفع سعر الفائدة بوتيرة متتالية منذ العام الماضي في الانعكاس بوضوح على معدلات التضخم الكلي كما يتضح من بعض التقارير التي صدرت مؤخراً. وقد أدى ذلك إلى تعليق مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لأسعار الفائدة خلال الاجتماعين الأخيرين بينما يأمل معظم المستثمرين الآن في رؤية أول خفض لأسعار الفائدة خلال النصف الثاني من العام 2024.

وعلى الصعيد الاقتصادي، تشهد معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي اتجاهات مختلفة على مستوى العالم. ففي الوقت الذي ظل فيه الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي إيجابياً، تتطلع الصين واليابان في آسيا إلى طرح حزمة تحفيز اقتصادي، نظراً لما يتعرض له الاقتصاد من مؤشرات تدل على التباطؤ. كما تجاهد الهند أيضاً لإبقاء أسعار الفائدة منخفضة حيث وصلت العملة المحلية إلى أحد أدنى المستويات المسجلة مقابل الدولار الأمريكي. وفي أوروبا، من المتوقع أيضاً أن تتجه ألمانيا نحو الركود بعد انخفاض الناتج المحلي الإجمالي خلال الربع الثالث من العام 2023. وتعتبر التأثيرات الناجمة عن ارتفاع أسعار الفائدة على الاقتصاد من أبرز الأسباب الرئيسية التي أدت لحدوث هذه الأزمة. حيث تشعر الحكومات والأفراد والشركات على حد سواء بوطأة ارتفاع أسعار الفائدة، كما يتضح من أحدث التقارير الصادرة عن صندوق النقد الدولي بعنوان تقرير الاستقرار المالي العالمي والذي سلط الضوء على سداد ديون بقيمة 5.5 تريليونات دولار أمريكي في العام 2024، يعقبها ارتفاع قيمة المدفوعات على مدى السنوات الثلاث التالية (2025-2027). ويعتبر التأثير أكبر على القطاع العقاري، خاصة في الدول ذات أسعار الفائدة المتغيرة.

تحسن أنشطة الإقراض

كشفت البيانات الصادرة عن البنوك المركزية لدول مجلس التعاون الخليجي أنه على الرغم من ارتفاع أسعار الفائدة إلا أن التسهيلات الائتمانية المقدمة من البنوك الخليجية واصلت نموها خلال الربع الثالث من العام 2023، باستثناء البحرين التي شهدت تراجعاً هامشياً مقارنة بالربع الثاني من العام 2023، بما يعكس مرونة المؤشرات الاقتصادية والمتمثلة في قوة المشاريع قيد التنفيذ على مستوى المنطقة، في الوقت الذي ظلت فيه ثقة المستهلك دون تغير. من جهة أخرى، كشفت بيانات صادرة عن مجلة ميد للمشاريع أن وتيرة اسناد المشاريع منذ بداية العام حتى أكتوبر 2023 في دول مجلس التعاون الخليجي وصلت إلى أعلى مستوياتها منذ ثماني سنوات بقيمة 150.9 مليار دولار أمريكي. وأظهرت بيانات نشاط قطاع التصنيع الصادرة عن وكالة بلومبرج (مسح ماركيت للاقتصاد الشامل) أن بيانات مؤشر مديري المشتريات ظلت فوق حاجز النمو البالغ 50 نقطة في دبي وقطر والسعودية والإمارات في الربع الثالث من العام 2023. وظل نشاط التصنيع في السعودية قوياً، إذ بلغت قراءة مؤشر مديري المشتريات 57.2 نقطة في سبتمبر 2023 وارتفع خلال أكتوبر 2023 ليصل إلى مستوى 58.4 نقطة.

وكشفت بيانات البنك المركزي السعودي عن نمو أنشطة الإقراض للربع التاسع عشر على التوالي في الربع الثالث من العام 2023. إذ نما إجمالي الائتمان بنسبة 2.93 في المائة على أساس ربع سنوي في الربع الثالث من العام 2023، مسجلاً أسرع وتيرة نمو على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي، ليصل إلى 2.5 تريليون ريال سعودي بدعم من النمو واسع النطاق الذي شمل كافة القطاعات الاقتصادية تقريباً. وفي مناطق أخرى من دول مجلس التعاون الخليجي، ظل النمو هامشياً دون مستوى 1 في المئة، بينما انخفض الإقراض في البحرين بنسبة 0.3 في المئة خلال الربع الثالث من العام 2023. وأشار استطلاع الثقة الائتمانية في الإمارات إلى نمو القروض بوتيرة أقوى وزيادة استعداد المؤسسات المالية لتقديم التسهيلات الائتمانية بدعم من التوقعات الاقتصادية الإيجابية وقوة السوق العقارية. وأظهر الاستطلاع أن أنشطة الإقراض ظلت قوية على مستوى كافة فئات القروض، بصدارة الشركات الكبرى والمواطنين، والشركات التابعة للحكومة والشركات الصغيرة والمتوسطة. أما على صعيد قطاعات السوق، شهد قطاع الصناعات التحويلية نموا قويا إلى جانب قطاعات تجارة التجزئة وتجارة الجملة والانشاءات والتطوير العقاري.

أنشطة إقراض البنوك المدرجة في البورصات الخليجية تنمو بوتيرة متباينة

وواصل إجمالي ودائع العملاء لدى البنوك المدرجة في دول مجلس التعاون الخليجي إظهار النمو للربع العاشر على التوالي خلال الربع الثالث من العام 2023، وصولاً إلى مستوى قياسي جديد قدره 2.34 تريليون دولار مقابل 2.31 تريليون دولار بنهاية الربع الثاني من العام 2023. إلا انه كما شهدنا بالنسبة لإجمالي القروض، فقد تباين اتجاه ودائع العملاء أيضاً على مستوى المنطقة، حيث ارتفعت ودائع البنوك في ثلاثة من أصل ستة دول خليجية على أساس ربع سنوي بينما سجلت الثلاثة دول المتبقية انخفاضاً. وسجلت البنوك المدرجة في الإمارات أعلى معدل نمو على أساس ربع سنوي في الربع الثالث من العام 2023، إذ وصل إجمالي ودائع العملاء إلى 749 مليار دولار، لتستعيد مركز الصدارة على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي. وجاءت البنوك السعودية في المرتبة الثانية بنمو بلغت نسبته 1.7 في المئة، إذ بلغ إجمالي الودائع في البنوك السعودية المدرجة في البورصة 742 مليار دولار تليها البنوك الكويتية بنمو هامشي بنسبة 0.2 في المئة، لتصل إلى 302 مليار دولار أمريكي. من جهة أخرى، تراجعت ودائع البنوك القطرية والبحرينية بنسبة 0.8 في المائة على أساس ربع سنوي، تبعتها البنوك العمانية بانخفاض هامشي بنسبة 0.2 في المائة. وتفوقت البنوك الإسلامية مرة أخرى على البنوك التقليدية بعد أن سجلت نمواً أعلى على أساس ربع سنوي بنسبة 2.2 في المائة، في حين بلغ معدل نمو ودائع البنوك التقليدية 1.3 في المائة خلال هذا الربع.

وظلت النسبة الإجمالية للقروض إلى الودائع لقطاع البنوك الخليجية أقل من 80 في المئة للربع السادس على التوالي بنهاية الربع الثالث من العام 2023 لتصل إلى 79.1 في المائة، مسجلة تحسناً هامشياً مقابل 79.0 في المائة المسجلة بنهاية الربع الثاني من العام 2023. ويعكس الأداء الجانبي نمواً متكافئاً تقريباً بين القروض وودائع العملاء خلال هذا الربع. وعلى مستوى كل دولة على حدة، كان الأداء مختلطاً، إذ شهدت ثلاثة من أصل ستة دول ارتفاع نسبة القروض إلى الودائع. وأظهرت البنوك المدرجة في السعودية أفضل معدل تحسن بزيادة قدرها 100 نقطة أساس لتصل إلى 86.9 في المئة بنهاية الربع الثالث من العام 2023، وهي ثالث أعلى نسبة على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي. كما شهدت البنوك القطرية أيضاً نمواً قدره 80 نقطة أساس، إذ وصلت نسبة القروض إلى الودائع إلى 89.0 في المئة، والتي تعد الأعلى على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي متجاوزة البنوك العمانية التي احتلت مركز الصدارة في الربع الثاني من العام 2023، إلا انها سجلت أكبر انخفاض على أساس ربع سنوي في الربع الثالث من العام 2023. اما البنوك البحرينية فقد شهدت تحسنا هامشيا خلال هذا الربع.