على امتداد ما يزيد على 34 كلم تنبض جنبات حوض وادي أبها بالحياة الفطرية المتنوعة والمظاهر الحضارية التي تطورت عبر الزمن، حيث بلغت مساحته 389.186كم²، وبلغ ارتفاعه 2983 م فوق مستوى البحر، ويتميز بشدة انحدارات تضاريسه، مما شكل تباينًا في مرتفعات حوض الوادي.
ويحتضن الحوض مدرجات زراعية متفاوتة المساحات في "السودة" و"ريدة"، ويتميز بغطاء نباتي كثيف، حيث يتركز تساقط الأمطار في شهري مارس وأبريل، إضافة إلى شهري مايو وأغسطس، أما الشهور الأخرى فتكون شبه جافة، مع مناخ معتدل ولطيف طيلة العام.
ويزخر "وادي أبها" بتنوع بيئي فريد أسهم في تعدد النباتات الجبلية من العرعر، والزيتون البري، والفستق، وبعض الصنوبريات، وتأقلم أشجار الصبار، واللبان، والمُر مع الظروف البيئية الخاصة بالوادي، الذي تنتشر فيه، كذلك الأعشاب البرية المعمرة ذات القيمة الرعوية مثل الثمام، والثيل، والسباط، والسنط، والصخبر.
وتعد المناطق الوعرة في أعلى الوادي مكانًا ملائمًا لعيش النمر العربي، إضافةً إلى وجود أنواع متعددة من الحشرات، والفراشات، والحرباء، وطيور الشمس.
وسجَّل وجود العشرات من الطيور الفريدة مثل: الحجل العربي، وأحمر القدم، ونقار الخشب العربي، والشادي اليمني، وأبو قرن، والزرزور أبيض القرنين، والحمام الزيتوني، والغربان، والعقعق العسيري، الذي يعيش في غابات العرعر.
تراث وتاريخ
وكان صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد رئيس مجلس الوزراء رئيس مجلس إدارة صندوق الاستثمارات العامة - حفظه الله - قد أعلن أكتوبر الماضي عن إطلاق شركة "اردارا"؛ بهدف تطوير مشروع "وادي أبها" بمنطقة عسير، الذي يعد باكورة مشاريع الشركة؛ لتكون مركزاً حضرياً ووجهة سياحية جاذبة للزائرين محلياً وعالمياً بما يتماشى مع مستهدفات رؤية السعودية 2030.
وسيعتمد مشروع "الوادي" الممتد على مساحة تبلغ 2.5 مليون متر مربع، الطابع الهندسي والعمراني المستوحى من تراث منطقة عسير وتاريخها العريق، حيث سيراعي معايير الاستدامة، ورفع مستوى جودة الحياة، عبر توفير أكثر من 30 % من مساحة المشروع كمساحات خضراء مفتوحة، و16 كلم من الوجهات المائية تمتد على نطاق المشروع، و17 كلم من المسارات الرياضية، والأنشطة الثقافية، والمجتمعية، وتهدف الشركة إلى توفير العديد من الفرص للمستثمرين المحليين والدوليين في العديد من القطاعات بما في ذلك الضيافة، والفنون، والثقافة، والغذاء والزراعة، وتجارة التجزئة، والترفيه، بما يسهم في بناء الشراكات مع القطاع الخاص، وسيسهم المشروع في دعم الناتج المحلي غير النفطي بأكثر من 19 مليار ريال سعودي حتى العام 2030، واستحداث آلاف الوظائف لأبناء المنطقة وسكانها بحلول العام 2030، بالإضافة لانسجامه مع مستهدفات إستراتيجية منطقة عسير "قمم وشيم"، التي أعلن عنها سمو ولي العهد في عام 2021م.
تخصيص محمية
وعملت شركة "أرامكو" السعودية على تخصيص محمية في أبها على مساحة 49 كلم لإيواء 26 نوعًا من الطيور المهاجرة مثل سمامة الصرود، والوروار الأوروبي، وعقاب السهول؛ لتكون موطنًا مجهّزًا لاستراحة الطيور المهاجرة التي تعبُر شبه الجزيرة العربية، وموئلًا آمنًا على إحدى طرق الهجرة الدولية الثلاث التي تربط أفريقيا وآسيا وأوروبا والهند.
واستعرضت دراسة جغرافية عن "بناء قاعدة بيانات جيوبيئية لحوض وادي أبها" أعدها باحثون من أعضاء هيئة التدريس بجامعة الملك خالد الدكتور علاء سيد، والدكتور فايز آل سليمان، والدكتور وليد شكري، نُشرت في إحدى المجلات العلمية المحكمة، أنماط استخدامات أراضي الوادي بناءً على تفاعل القوى الاجتماعية والاقتصادية، وقسمت الدراسة أراضي الوادي إلى ثلاثة أنماط الأول الأراضي الطبيعية وتشغل حوالي 291.186 كلم²، وتتمثل في شكلين أولهما المناطق الجبلية، وتمتد في شكل شريط طولي شمالي مدينة أبها وعلى الأطراف الغربية للوادي، وتشكل مساحتها حوالي 40.2 % من مساحة الأراضي الطبيعية، وثانيهما الأراضي الصحراوية غير المنماة بما يعادل 59.8 % من إجمالي مساحة الأراضي الطبيعية.
قلاع وقرى
وشغلت الأراضي الزراعية ثاني أنماط استخدامات حوض وادي أبها، بمساحة قدرها 67.684 كلم²، وتتركز على حواف الوادي وفي المرتفعات الجبلية على شكل مدرجات زراعية تتسم بصغر مساحتها، وكذلك على مسارات الطرق في شكل مدرجات زراعية منتشرة حول تجمع السودة وشرق مدينة أبها.
وجاء النمط الثالث في الاستخدامات الحضرية لأراضي الوادي على مساحة 33.146كلم² حيث تنوعت بين استخدامات السكن، والطرق، والشوارع، ومناطق الانتظار، إضافة للاستخدامات السياحية، والترفيهية، والثقافية تتمثل في القلاع، والقرى، والمواقع، والقصور الأثرية، والمتنزهات المطورة ضمن متنزه عسير الوطني، وكذلك الاستخدامات الخدمية للإدارات الحكومية والأنشطة التجارية ومرافق البنية الأساسية من مياه وصرف وكهرباء مع الاستخدامات الحرفية والصناعية والمقابر القديمة بأبها.
ولفتت إستراتيجية التنمية المستدامة لحوض وادي أبها التي أعدها الباحثون إلى أهمية العمل على التوسع الأفقي باستغلال مساحات الوادي بشكل اقتصادي، وبطرقٍ فعالة تراعي الإمكانيات الطبيعية والبيئية بما لا يؤثر على موارد مياه الأمطار ومخزون المياه الجوفية.
تقنيات الإنتاج
واهتم جانب التوسع الأفقي - الرأسي بتنمية الزراعات المحمية لمحاصيل الخضراوات والزهور والنباتات الطبيعية داخل البيوت البلاستيكية أو البيوت الزجاجية، وتطبيق تقنيات الإنتاج الزراعي المتطور، والتنوع في الإنتاج واستخدام الطرق الحديثة في ترشيد استهلاك المياه، وأكّد الباحثون على أن تنوع الخامات والثروات المعدنية في منطقة حوض وادي أبها، يتيح المجال أمام الاستثمارات الصناعية والتعدينية، حيث ستسهم في تحسين استغلال الخامات المتوفرة، التي يمكن استغلالها اقتصاديًا في التشييد، والبناء، والصناعات، والمركبات الكيميائية، ومن الثروات المعدنية المتوفرة في الحوض "الذهب" الذي يستخدم في صناعة الحلي والمجوهرات والصناعات الإلكترونية، وكذلك الرمل - خام السليك - والمستخدم في تصنيع الطوب الرملي والزجاج والإنشاءات الجبسية، و"الزنك" في عملية جلفنة الحديد، والمركبات الكيمائية التي تستخدم في العديد من الصناعات، إضافةً إلى معادن "النيكل" و"التنجستين" الذي يستخدم في صناعات الخزف، والورق، والمطاط، والصابون، وصناعة الصلب.
إستراتيجيات وطنية
وفي مجال الصناعات الغذائية تتمتع بإنتاج زراعي، وحيواني مثل صناعات معجون الطماطم، وتعبئة الخضراوات والفاكهة وحفظها وتجميدها، ومنتجات الألبان وتصنيع اللحوم، إضافة إلى توطين الصناعات الحديثة والصناعات التحويلية الأخرى؛ لإنتاج السلع الاستهلاكية لا سيما الكيماوية والبلاستيكية، وصناعات الأثاث المكتبي، وصناعات الورق والكرتون والمنتجات الجلدية، وإنتاج الأسمدة العضوية. وأكدت الدراسة على دور وادي أبها في تحقيق الإستراتيجيات الوطنية الرامية لجعل منطقة عسير وجهة سياحية على مدار العام، من خلال تسهيل وتنظيم خدمات النقل السياحي وتوفير خدمات الإيواء واستثمار بحيرة سد أبها كوجهة ترفيهية.
التعليقات