في سلسلة من الأحداث المتسارعة على مدى خمسة أيام في الأسبوع الماضي عاد الرئيس التنفيذي لشركة الذكاء الاصطناعي المفتوح إلى منصبه بعد أن بلغه مجلس الإدارة بطرده الجمعة الماضية دون سابق إنذار. ما يعد الآن إنقلاباً فاشلاً على أحد مؤسسي الشركة، أعيد تشكيل مجلس الإدارة بدعم من المستثمر الأكبر شركة مايكروسوفت، التي وقفت مع المؤسس سام آلتمان. لم تكن مايكروسوفت وحدها التي وقفت مع المؤسس، إنما شريك التأسيس غريغ بروكمان مع 500 موظف هددوا بالاستقالة إن تمسك مجلس الإدارة بقراره.
تمتلك شركة الذكاء الاصطناعي المفتوح نموذج حوكمة معقد يشترك فيه الجانب الربحي وغير الربحي في وقت واحد. فقد أنشئت مؤسسة الذكاء الاصطناعي المفتوح لأهداف البحث العلمي غير الهادف للربح، إنما مع الوقت احتاجت المؤسسة إلى دخل مستقر فأنشأت ذراعاً ربحياً للشركة العام 2019، تملك منه شركة مايكروسوفت اليوم الحصة الأكبر (49 ٪). لكن الغريب، أن المؤسس سام آلتمان، لم يمتلك حصة من الشركة الجديدة، وظل حتى اليوم دون أدنى حق في ملكيتها رغم كل النجاحات التي تحققت لها.
يذكر إنقلاب مجلس الإدارة على مؤسس الشركة ما فعلته شركة آبل عندما انقلبت على مؤسسها ستيف جوبز بتدبير من رئيسها التنفيذي الذي استقطبه جوبز نفسه، فاوض جوبز جون سكالي الذي كان رئيساً لشركة ببسي كولا، وأقنعه بكلمته الشهيرة: هل تريد أن تستمر بائعاً للماء السكري طول عمرك أم تريد أن تغير العالم؟ لم يمضِ وقت طويل حتى طرد الرئيس الجديد ستيف جوبز وتدهورت آبل بعد ذلك حتى عاد لها جوبز مرة أخرى وانتشلها من فشلها في أكثر قصص النجاح إلهاماً.
المختلف في قصة سام آلتمان هو وقوف موظفي الشركة مع رئيسها التنفيذي عارضين استقالتهم إن لم تنفذ مطالبهم. كان ستيف جوبز أقل شعبية عند المقارنة، كما هو واضح، وأقل احترافية في التأقلم مع ثقافة العمل المؤسسي التي كان يثور عليها ويتصرف ضدها كم عرف لاحقاً. سرعة إقالة سام آلتمان والتراجع عنها لم تسمح بفهم ما وراء القرار من حيثيات الذي لا يستبعد أن وراءه اختلاف عميق حول اتجاه الشركة المستقبلي دفع باتخاذ خطوات متسرعة للتخلص من أهم أعضائها.
يمر التصور الذي يحمله المؤسسون لشركاتهم بتحديات عديدة منذ البدء في إنشائها، بين رؤية جديدة ومختلفة للمؤسس وأخرى أكثر واقعية للمستثمرين. الهدف الحالم الذي دفع بالمؤسسين لإنشاء شركتهم في البدايات، مسخرين له طاقاتهم الإبداعية، يصطدم بهدف المستثمرين الذين يسعون إلى تعظيم الأرباح في مرحلة يرونها منفصلة عن البدايات، حيث لا وقت لتضييعه في ابتكارات جديدة في جو من المنافسة محموم، هكذا تتخذ قرارات تصحيحية في البدايات يذهب ضحيتها المؤسسون. وقد تنجح الشركة في تحقيق أهدافها الربحية، لكنه نجاح على حساب الابتكار الذي جاء بها أول الأمر.
التعليقات