لا بد من وقفة جادة تغلب الصالح العام لإيقاف هذا الزخم الهائل من النشر عبر منصة إكس (تويتر) سابقا و(التيك توك) و(السناب) وأخواتهم، وهو ذلك النشر المضلل علميا وطبيا بهدف الحصول على الشهرة وبالتالي الدخول في عالم الإعلانات أو الكسب المادي عبر الدعاية للنفس طبيا وجلب المزيد من (الزبائن) لعيادة الطبيب الخاصة أو المستشفى الخاص الذي تعاقد معه، وهذا التضليل بأنواعه سواء مارسه شخص عادي أو طبيب أو مختص ضرره يقع على المجتمع والوطن عامة والأفراد المضلل بهم خاصة في صورة كوارث صحية يدفع الوطن ثمن علاجها أو ثمن خسارة ضحاياها بالموت أو الإعاقة والعجز.
أقصد هنا ما كثر تداوله من معلومات ونصائح بتناول أدوية أو أعشاب أو خلطات دون سند علمي صحيح وموثوق ومنشور علميا، فقد كثر ما ينشر تحت عنوان (فتاة تكتشف خلطة فعالة لعلاج السرطان خلال أيام) وقد تكون هي خلطة مسرطنة! و(استمع إلى مجرب اكتشف دواء يقضى على القولون العصبي)، وهو قد يقضي على القولون لكنه لن يعالج القولون العصبي كما يدعي! وثالث يقول (رجل يروي تجربته في علاج التصلب اللويحي خلال يوم) أما الرابع والخامس والسادس حتى خانة الآلاف فجميعهم اكتشفوا خلطات عشبية تخفض السكر التراكمي خلال أيام وتجعلك تستغني عن أدوية السكر والضغط تماما، وفي الحقيقة أن المريض سيستغني فعليا عن الأدوية لأنه سيغادر هذه الحياة المليئة بالخداع، وسيتصدق أهله بباقي أدويته التي امتنع عن أخذها!.
دعك من طبيب يغرد بأنه ركب صماما أو فتح شريانا لعجوز فوق الستين ويطلب من أبنائها أن يسمحوا لها بالزواج، أو طبيبة تروج لإبرة الظهر أو لعملية الولادة بتخدير نصفي أو أخرى تروج لأدوية آلام الدورة والولادة بأسماء تجارية وأشياء أخرى تفصيلية عن العلاقة الزوجية يفترض أن تذكر في العيادة وبين المريض وطبيبه، أو ذلك الذي ينشر تفاصيل معلومات المرضى ممن يدعي أنه أجرى لهم عمليات معقدة ناجحة، فكل هؤلاء يكتشفهم المتلقي وأصبحت أساليبهم لتسويق أنفسهم و للترويج لذاتهم مكشوفة بل تخطاهم وعي المريض وأصبحوا لا يؤثرون إلا في قلة قليلة ممن لم يكتشفوا الأسلوب بعد.
المشكلة الكبرى فيما يستجد من أساليب وادعاءات لخلطات وأعشاب ومواد يتأثر بها مرضى مزمنين يتعلقون بأي قشة أو أمل يروج له الباحث عن الشهرة والانتشار فتحدث لهم أضرار ومضاعفات وفشل أعضاء وربما الوفاة، وليس أدل على تعلق المريض بقشة مما حدث عندما نشرت إحدى الصحف (منذ حوالي 30 سنة) أن زيت الفرامل يشفي من البهاق فتوفي اثنان ودخل ثالث العناية المركزة.
الأمر الآن لم يعد مجرد صحيفة واحدة تخطئ بل سيل من الحسابات والمعرفات تبيع الوهم والتضليل وأرى أن تشمل هذه الحسابات عقوبات الجرائم المعلوماتية، وأن يحاسب كل من ينشر معلومة طبية أو علاجية أو ذات مساس بصحة الفرد أو المجتمع، وهي غير مسنودة بمرجع علمي محكم سواء كان متخصصا أو عاميا فالمرجع العلمي مطلب أساسي للنشر، وحتى لو لم تسجل شكوى ضرر من المعلومة فإن مجرد الشروع في التضليل يجب أن يردع.
التعليقات