قلت ذات تغريدة أن (اتق شر من أحسنت إليه)، هذه المقولة العظيمة والنصيحة البليغة، ليس المقصود بها أن كل من أحسنت إليه سيصيبك بشر فاحذره، لا، بل مقصدها أن من يقابل إحسانك بإساءة فهو من الخسة والنذالة والحقارة بحيث يجب أن تحذر منه، ولكن غالبية الناس فيهم الخير فلا يقابلون الإحسان إلا بامتنان، احذر الخسيس النذل الحقير واتق شر خسته.
ولدي قناعة خاصة أن المقولة الشهيرة (اتق شر من أحسنت إليه) لم تبنَ على تكرار حالات نكران الجميل ومقابلة الإحسان بالإساءة، بل بنيت على تجارب فردية وحالات خاصة، لكن من هول التأثر بصدمة مقابلة الخير بشر وهول خيبة الأمل في ناكر الفضل والمسيء لمن أحسن إليه أخذت المقولة طابع التعميم وهي ليست كذلك.
الإساءة إلى الآخرين أصلا، حتى لو كانت لمن لم يحسن إليك، هي فعل منبوذ من كل إنسان سوي خلوق وسطي الطباع طبيعي السلوك الإنساني، فكيف إذا كانت الإساءة لمن هو صاحب معروف عليك يفترض أنه قد امتلك مشاعرك وأحاسيسك وأصبحت مدينا له برد الجميل، وتنتظر الفرصة لذلك وتتمنى أن تخدمه ولا تتمنى أن يحتاج لك ولا لغيرك حبا فيه.
حتى الحيوانات تمتن للمعروف، فقد شهدنا مواقف لبعير تودد لصاحبه واحتضنه وخيل فعل ذات الامتنان وكلاب عبرت بالصوت والحركة عن شكرها لمن سقاها أو أنقذها، بل حتى الحيوانات المفترسة حفظت لمن أنقذها مشاعر الامتنان بعد حين، فقد نشر مؤخرا كيف أن الأسد احتضن سيدة زارت حديقة الحيوان بعد أن أنقذته.
في ظني أن الإنسان الذي يقابل إحسانك إليه بالإساءة والشر هو إنسان غير طبيعي وهو في الأساس يشعر بالنقص والدونية مقارنة بك ويشعر أنك لم تحسن إليه إلا لأنك أفضل منه ويحسدك على ما تفضل به الله عليك وما انعم الله به عليك، حتى وإن أشركته في ذلك الفضل وقاسمته تلك النعمة، فهو لا يزال يحقد عليك ويتحين الفرصة للإساءة إليك بسبب خسته؛ وهذا عليك أن تتقي شره وتفعل المقولة فيما يخصه ومع مثل هذا (اتق شر من أحسنت إليه)، لكن يبقى حالة شاذة ونفساً مريضة، لا تمثل غيرها.
إن الأصل في غالبية البشر وحتى بعض الحيوانات هو الامتنان للمعروف ومقابلة الإحسان بإحسان، بل وفي أحيان كثيرة يقابل الإنسان المسلم المؤمن التقي الإساءة بإحسان والاعتداء بالعفو والأمثلة كثيرة، ولا يزال الناس بخير ما داموا إذا ذكروا الله وجلت قلوبهم واحتسبوا الأجر والثواب، فالإسلام نعمة عظيمة به يصلح كل أمر.
ومجمل القول: دعونا نحسن ونسأل الله الأجر والثواب ولا تتق شر كل من أحسنت إليه، فغالبية من تحسن إليهم سيقابلون الإحسان بإحسان، والله أعلم وأحكم وأرحم الراحمين.
التعليقات