لفت نظري هذا الأسبوع تصريحات المهندس خالد الفالح وزير الاستثمار، خلال مؤتمر "بلومبرج للاقتصاد الجديد" في سنغافورة، والذي تحدث فيها عن إصدار المملكة 180 ترخيصاً لشركات عالمية تعتزم نقل مقراتها الإقليمية إلى الرياض، وهذا الرقم يتجاوز المستهدف الحكومي البالغ 160 مقراً بنهاية العام الجاري، وباعتقادي، فإن زخم تدافع الشركات الكبرى باتجاه الرياض سيزداد مع قرب انتهاء موعد استخراج التراخيص بحلول يناير المقبل، وقد نسمع رقماً أكبر بكثير بنهاية ديسمبر المقبل، فالشركات لم يصبح لديها خيار ثالث، فإما الالتزام بنقل المقرات والعمل من داخل المملكة، والفوز بعقود مربحة، وإما خسارة تلك العقود نهائياً طالما بقيت خارج الرياض، وهذا الأمر ضروري لتحقيق أولويات قصوى، من أبرزها خلق فرص عمل نوعية للشباب السعودي، وتوطين التكنولوجيا، والاستمرار في استراتيجية تنويع مصادر الدخل بعيداً عن النفط.
تستهدف السعودية استقطاب مقرات إقليمية لحوالي 480 شركة عالمية بحلول 2030، وهذا سيضيف للناتج المحلي الإجمالي 67 مليار ريال (17.8 مليار دولار)، وسيوفر 30 ألف وظيفة، وستجلب تلك المقرات خبرات عالمية من الطراز الأول، وستحول الرياض إلى مركز أعمال عالمي، وسيسهم ذلك في ازدهار الطبقة المتوسطة، ويدفع جودة الحياة للأمام، ويحتفظ بمزيد من نفقات الشركات داخل المملكة، ويفيد العديد من القطاعات مثل السياحة والتجزئة والعقارات والمدارس الدولية لأبناء الموظفين الإقليميين، في المقابل، ستكون هناك العديد من الحوافز للشركات التي تنقل مقراتها للرياض، وهى تدرك حجم المكاسب جيداً، ولا تريد أن تخسر زخم النمو في أكبر اقتصاد عربي، خاصة وأن أكثر من 80% من إيراداتها الحالية في المنطقة تأتي من المملكة.
تحتاج خطوة نقل المقرات الإقليمية إلى جهد طويل الأمد، وصبر، وإزالة الغموض وعدم اليقين لدى الشركات التي ترغب بالانتقال، ونعتقد أن انتقال صانعي القرار الإقليميين للعيش في المملكة مع عائلاتهم، سيسمح لهم بمعاينة الفرص المتاحة على الطبيعة، وتنمية استثماراتهم بطريقة تفيد الاقتصاد الوطني والمجتمع السعودي، ومن الآن فصاعداً، سيتعين على الشركات الأجنبية إعادة استثمار بعض أرباحها في السوق السعودية، فضلا عن تدريب ونقل المعرفة والخبرات اللازمة إلى الشباب السعودي الطموح، ولا شك أن الشركات ستسعى بقوة إلى التأكد من توافق خططها الاستراتيجية مع أهداف رؤية 2030، خاصة فيما يتعلق بخلق فرص عمل، وتدريب الكوادر الوطنية، ولحسن الحظ، فإن هذا الأمر تجيده معظم الشركات العالمية للغاية.
رغم وجود بعض المواهب الوطنية المذهلة، إلا أن وتيرة التحول تعني أن الطلب على المواهب قد لا يتناسب مع العرض، وهذا يمثل تحدياً في المستقبل القريب، ولهذا، يجب أن تكون الجامعات، وسوق العمل جاهزة لهذا التحول الكبير في الاقتصاد، كما يجب الاستمرار في تعزيز مهارات الجيل القادم من السعوديين لضمان جاهزيتهم لوظائف المستقبل، بالإضافة إلى مواصلة الإصلاحات الهيكلية والقانونية الداعمة للأعمال التجارية لجذب المزيد من الشركات والاحتفاظ بها، وستكون للمناطق الاقتصادية الخاصة في الرياض، وجازان، ورأس الخير، ومدينة الملك عبد الله الاقتصادية في جدة، تأثير حاسم في تزويد المستثمرين الأجانب بالدعم المطلوب في القطاعات النوعية مثل التكنولوجيا والخدمات اللوجستية والصناعة، وقد بلغ إجمالي استثمارات هذه المناطق الأربع 47.2 مليار ريال (12.6 مليار دولار) حتى النصف الأول من العام الجاري، وعلينا أن نكون مستعدين لرؤية العاصمة الرياض وهى تتحول إلى واحدة من أكثر مدن العالم تنافسية وقابلية للعيش.
التعليقات