لقد مر كل شيء سريعًا، كفكرة مرتبكة في رأس مترددة، أعياها التسويف فتلاشت. السرعة والبطء نسبيان في معايير الرغبة، والزمن مخلوق زئبقي، يمتد ويتقلص ويغيب طبقًا لما يسكنه. تصبح الأيام مؤطرة بالوقت أحيانًا، وتعيش بالتوقيت مرات أكثر.

تحدث الأشياء في اللحظة التي لا يتوقعها أحد. أقدم فكرة عرفها الإنسان هي التحوط، ومع هذا يفشل باستمرار في النجاة. الحذر فكرته الدائمة، ودافعه الأصيل للرفض قبل القبول، والهروب والشك، ورغم كل هذا الاستعداد؛ يُهزم.

طور البشر مبكرًا مهارات اليقظة، وصنعوا الفزاعات التي تحرس مخاوفهم، وزرعوا التمنع حدودًا لقراراتهم، واستمروا في سقي الخوف وتغويله، حتى ابتلع كل الأمان القديم. كل توجس جديد يستعمر فكرة مأمونة، أبلاها التحرز.

للخوف قدرته الكبيرة على اغتيال كل الأشياء. تقتل الأفكار أضعاف ما تفعله البنادق، ويموت الناس بالكلمات أكثر مما تفعل بهم الحروب. يفوز الفشل بكونه الدافع الأكثر تحفزًا لكل المخاوف، مخلوطًا بأشياء عديدة، كالامتناع عن التجريب والمحاولة. لا شيء يفعل، كالتردد.

الضمان المؤقت موت مؤجل. الاعتقاد بأبدية الحال أقدم عدو، والتبدل أساس الحياة. الاستجابة للأيام خيار مفضل، وزاوية آمنة، وصنع الأيام، اختيار الأقلية، غالبًا. الانتماء للأكثرية هو الهاجس الأكثر إغراء، وضماناته أوسع، لكنه رتيب.

المساحة الفاصلة بين الزاويتين، التفاعل والمبادرة؛ مكتظة بالأفكار والتجارب والضحايا.. والخوف. تبدو كما لو كانت المسافة الأطول في عمر الضباب. لا يمكن الوصول للمطر دون امتحان الرؤية، والسير أبعد باتجاه الغيم، ومجابهة الرعد.

السماء الصحو أكثر أمانًا، لكن لا يمكن الرهان عليها في صباحات الخريف العاصفة. لم تقامر الحقول يومًا بفكرة الشمس الساطعة.. تجهزت جيدًا لتعاقب الفصول، وبدلت سنابلها مع كل استعداد. والسلام..