إن ما يحسب لهيئة المسرح والفنون الأدائية هو هذا الاهتمام وهذا الإحياء لمورثنا الشعبي الزاخر بكل الفنون والدراما والظواهر المسرحية. ومن اللافت للنظر هو هذا الحضور الكبير لمهرجان النهام، إذ تبين لنا أن الجمهور متعطش للفنون والأدءات الفنية بكل أشكالها
النهام هو ذلك المنشد الفذ نادر الوجود وهو من يصطحبه البحارة وصيادوا اللؤلؤ والمحار في عمق البحار، مستعينين بتأثير مواويله وأناشيده على فراق أهلهم الذي يطول إلى حوالي الستة أشهر وهم في عمق البحار ، كما أنها تبعث فيهم الحماسة والصبر والسلوى، وهذا الفن النادر تزخر به منطقة سواحل الخليج العربي.
وفي هذه الأيام تقيم هيئة المسرح والفنون الأدائية بوزارة الثقافة مهرجان النهام بجمع كل فنون النهم والنهامين في منطقة الخليج في هذا المهرجان على سواحل الخليج بمنطقة الدمام بالمملكة.
وكان من دواعي وأهداف إقامة هذا المهرجان بحسب ما طرحته الهيئة هو: 1- تسليط الضوء على بيئة النهام من خلال الفعاليات المصاحبة. 2- المحافظة على الفنون الأدائية البحرية وتقوية إمكانيات التعاون في الفنون الأدائية.3- تعزيز ترابط المجتمعات الخليجية.
وهذا أمر جيد وملح على التعرف على هذه الفنون والحفاظ عليها من الاندثار، لكنه يبقى هناك عامل مهم للغاية، وهو إظهار هذه الفنون على السطح لنا كصناع دراما مسرحية، لأنه يكتنف هذا الفن الكثير، من ليس من حيث الطقوس والظواهر الدرامية فحسب، وإنما فيما تكتنفه هذه الفنون من دراما شديدة التفرد، لما يحيطها من مآسي درامية شديدة التفاصيل.! فهي دراما بكل المقاييس بحسب قوانين الدراما وآثارها.!
فشكلها الدرامي يتكون من (الطواش) وهو كبير الصيادين وتاجر اللؤلؤ، ثم (النوخذة) وهو ربان السفينة، ثم جموع الصيادين الذين يم استئجارهم من قبل النوخذة لصيد اللؤلؤ والمحار، ثم النساء الذين يفارقهن أزواجهن لمدة ستة أشهر في عمق البحار للصيد حتى تفرغ القرية من الرجال طيلة هذه المدة. هذا هوه الطرف الأول من الصراع، أما الطرف الثاني منه فهو البحر، بحيث يكون صراعا وجوديا بين هؤلاء وبين البحر الذي يأخذ منهم في كل رحلة من هذه الرحلات أعز الناس وأقربهم، فيكون أمرا مسلما به لأن هذه المهنة هي مهنتهم وجلب رزقهم، ثم أن هناك عنصرا دراميا آخر ومهما، وهو من لا يدخل البحار ويصارع الأمواج فهو ناقص الهمة والفعل بين هذه القبائل، ولذلك فلا ينبغي بحسب العرف أن يتأخر الرجال عن صراع هذه الأمواج والعوض في عمق المياه الهادرة ومن هنا تبدأ المأساة الدرامية بكل عناصرها المتشابكة سواء في شبكة العلاقات بين الطواش والنوخذة وجموع الصيادين، وبين البحر الذي ينهب الرجال، ثم تتجلى المأساة برمتها عند هؤلاء النسوة اللاتي يمكثن في حالة انتظار مخيف ومقلق على أحبتهن وأزواجهن لمدة ستة أشهر طوال قد يعود الحبيب وقد لا يعود.
الإشكالية الدرامية هنا تكمن بين البطولة والانتظار، بين رجال تصارع الموج بأجر لتظفر باللؤلؤ وربما الدانة (أغلى اللآلئ) يطرحونها في كف تاجر اللؤلؤ وبين نساء لا حول لهن ولا قوة سوى الانتظار وغالبا قد لا يعود الحبيب.
وفي هذه الحال نجدنا - نحن كصناع دراما ودارسيها- ندرك أن لدينا طقسا وظاهرة مسرحية بكل المقاييس لم ينتبه لها صناع الدراما المسرحية، وإن حدث ذلك لم تستلهم بالشكل الكامل لحرفية نص مسرحي مأسوي بكل المقاييس بالرغم من أنه قد تم استلهامها في بعض المسلسلات التلفزيونية الخليجية، لكن هذه المأساة تستحق المعالجة الدرامية المسرحية بشكل خاص يليق بها وبعظمة وقعها كمأساة درامية.!
ولعلنا قد تدارسنا بعض النصوص المسرحية وصراعها مع البحر في المسرح العالمي ومنها مسرحية راكبون إلى البحر للكاتب الإيرلندي (جون ميلينجون سينج) نشرت 1903 وأنتجت 1904 وهي من فصل واحد فقد اعتبرها النقاد أنها من أعظم المسرحيات العالمية، إنه هو نفس صراع صيادي اللؤلؤ مع البحر حيث يقف الطرفان على محور ذلك الصراع. إنه البحر الذي أخذ من مورينا (الأم) التي تقطن تلك الجزيرة ستة أبناء في هذا الصراع الكبير مع البحر.
إن حرفية الكاتب في استلهامه الحياة مع البحر بكل ذلك الخيال وتلك المهارة في حياكة الدراما بشكل مأسوي هو ما أكسب هذا النص هذا الخلود كنص عالمي فريد.
لكننا حينما نطلع على معالجات هذا النوع من المأساة في المسرح السعودي نجده يكتنفه الكثير والكثير من الأخطاء سواء في الحرفية أو في الحفاظ على دعائم الطقس والموروث فلا نجد ذلك العمق الفكري الذي تمنحنا إياه هذه العوالم المؤلمة في طقوس الصيد والنهامة.
إن ما يحسب لهيئة المسرح والفنون الأدائية هو هذا الاهتمام وهذا الإحياء لمورثنا الشعبي الزاخر بكل الفنون والدراما والظواهر المسرحية.
ومن اللافت للنظر هو هذا الحضور الكبير لمهرجان النهام، إذ تبين لنا أن الجمهور متعطش للفنون والأدءات الفنية بكل أشكالها فكان ذلك الحضور الجماهيري الكبير سواء في المهرجان بشكل عام أو في المسرحية التي قدمها المهرجان من إنتاج الهيئة بعنوان (النهام) تأليف وإشراف الكاتب المسرحي صالح زمانان.
فكل الشكر والتقدير لما تبذله وزارة الثقافة بقيادة صاحب السمو بدر بن عبدالله بن فرحان آل سعود، وكذلك المحرك الذي لا يهدأ الأستاذ سلطان البازعي الرئيس التنفيذي، ولكل منسوبي الهيئة والذين يبذلون الكثير من الهجد الذي بدا واضحا في هذا الحراك الثقافي والفني.
التعليقات