هذا هو عصر البيانات الضخمة "النفط الجديد"، فالذكاء الاصطناعي وهو رأس الحربة في الثورة الصناعية الرابعة يعتمد بشكل أساسي على البيانات الضخمة، وعلى سبيل المثال، يمكن للشركات الصناعية أن تستفيد بشكل هائل من بيانات المخزون الخاص بمورديها، كما يمكن للبنوك أن تخفف من مخاطر الإقراض من خلال بيانات سجل معاملات المقترضين، والواقع، أن طفرة سوق البيانات الضخمة مستمرة، والتوقعات تشير إلى صعودها من نحو 70.5 مليار دولار في 2022 إلى حوالي 243 مليار دولار بحلول 2027، فالقطاع الذي يشكل 10 % من الناتج المحلي الإجمالي سيولد فرصاً وأسواقاً جديدة، ونماذج أعمال مبتكرة باستخدام خوارزميات البرمجة وتقنيات الذكاء الاصطناعي.

صنعت البيانات الضخمة إمبراطوريات عملاقة التكنولوجيا مثل "أمازون" و"فيسبوك" و"جوجل" و"نتفلكس"، فقد أتاحت طريقتها في دمج البيانات عن التركيبة السكانية وتاريخ المشتريات والتفاعلات وأنماط التسوق، أتاحت تطوير طلبيات العملاء وتشكيل نماذج السوق وتقديم منتجات وخدمات متخصصة، وأحياناً ذات طابع شخصي، وهذا يعني أن للبيانات أثراً مضاعفاً، مما زاد من إيرادات هذه الشركات، وخلق مصادر دخل جديدة، لأن المؤسسات التي تركز على البيانات تحقق عوائد أعلى من مثيلتها، فالبيانات هي عين الشركات وأذنيها للتأكد من جودة عملياتها، واتخاذ قرارات قابلة للتنفيذ، وتحقيق نتائج أعمال مرضية.

لتقريب الفكرة أكثر، سنضرب مثلاً بالبيانات الضخمة في قطاع الأدوية، حيث تتضمن البيانات: الوصفات الطبية، وحالات المرضى، والمخزون الدوائي، وهي معلومات تؤثر عند تجميعها وتقييمها بدقة في النتائج السريرية والتشغيلية والمالية لأي مستشفى، وتكشف أوجه القصور في سلسلة التوريد والمخاطر والفجوات المحتملة، وتشخص جودة أداء العمليات، وقد يقلل إضافة معلومة جديدة التكاليف بشكل كبير، ومن ثم يحسن الرعاية الصحية، فالبيانات المتوافرة تمنح الفرصة لتحسين العمليات التشغيلية وزيادة الأرباح، وإذا كانت الأدوية تعد من أعلى بنود الميزانية في الأنظمة الصحية، إذ تمثل أكثر من 10 % من إجمالي الإنفاق على الرعاية الصحية، فإنه من المنطقي أن تراهن المستشفيات على إدارة مخزون الأدوية في تقليل التكاليف وتحرير ميزانياتها لاستثمارها في تحسين العمل وتطوير الموظفين، حيث تتمتع البيانات بالقدرة على اكتشاف حالات فشل إدارة المخزون، مثل النقص والهدر والأدوية منتهية الصلاحية، كما تساعد الصيدليات على اتخاذ قرارات شراء أفضل، وتقلل مخاطر إساءة استخدام العقاقير.

تاريخياً، لم يكن لدى المستشفيات أي فكرة عن كيفية أداء عمليات الصيدليات الخاصة بها لصعوبة قياسها، إلا أن التحول الرقمي والأتمتة أديا الى زيادة الطلب على أنظمة بيانات موحدة ومجمعة لقياس اتجاهات استخدام الأدوية والتنبؤ بالنتائج، وإذا كان الكثير من قصص البيانات تضيع في لوحات المعلومات والمخططات، فإن الأمر لا يقتصر على تجميع البيانات فقط، وإنما تفسيرها بدقة، والتفسير لا يعني الاكتفاء بالأرقام أو الرسوم البيانية فقط، وإنما يعني وجود قصص يسهل فهمها وربطها بالعمل ومن ثم تحسينه، ولا شك أن هناك بعض التحديات التي تعرقل تطبيق أنظمة البيانات في الشركات والمؤسسات المختلفة، وأبرزها انتشار سيل من البيانات غير النظيفة، وصعوبة الوصول للبيانات، وقلة المتخصصين في المجال، وعدم تطبيق النتائج في الواقع العملي، فضلاً عن صعوبة شرح علم البيانات للآخرين، وانتهاك الخصوصية.