لطالما كان الخطاب الذي يوجه إلى الغرب أشبه بالضوء الذي تتلاعب به المرايا، بحثاً عن انعكاسات تخدم الخطاب العام المكرس عن المملكة وعن سياستها بما يتماشى مع الصورة النمطية التي يرسمها الإعلام. في لقاء ولي العهد الأسبوع الماضي، كان الأمر صعباً على من أراد التلاعب بالرسائل التي تضمنها اللقاء لأسباب كثيرة من أهمها أن اللقاء باللغة الإنجليزية.

لغة الخطاب ذات تأثير كبير على المشاهد، حيث يتلقى كلام المتحدث كاملاً بما تحمله من رسائل مباشرة أو غير مباشرة. ليس المهم أن يصل المعنى فقط، إنما من المهم أن يصل بالطريقة التي تعكس شخصية المتحدث كما هي دون تدخل من أحد أيضاً. إذا اللقاء فرصة للمشاهد أن يفهم المملكة من خلال قيادته، فهو محتاج أن يشعر بصلة مباشرة مع هذه القيادة معبرة بحرية عن صدقها وشفافيتها تجاه القضايا المعاصرة.

كان الخطاب السابق الذي نوجهه إلى وسائل الإعلام الغربية أننا دولة عصرية ساعين إلى ترميم فجوات الاتصال للتعبير عن أنفسنا لكي نُفهم، أما الآن فالأمر مختلف. خطابنا اليوم يقول للعالم إننا دولة متقدمة بل رائدة، ليس بما نقوله فقط إنما بأفعالنا التي تتحدث عن نفسها. أن تتنافس مع الهند على الاقتصاد الأكثر نمواً، وأن تحتضن المشروع الحضري الأكثر تقدماً، وأن تكون حلقة الوصل بين الشرق والغرب على أكثر من مستوى؛ كل ذلك يتكلم عن المملكة بالأطنان فعلاً لا قولاً.

كانت الموضوعات التي يطرحها المذيع متفواتة من حيث الأهمية، إنما تعكس ما يدور في وسائل الإعلام الغربية والأمريكية خاصة. فليس من المهم تناول القضايا السياسية التي تهمنا فقط، إنما من المهم الإجابة بصدق عما يدور في ذهن المتلقي من أسئلة، مهما كانت أسئلة بنيت على تصورات لا علاقة لها بالواقع. فقد كانت الإجابات ناجحة لكل القضايا التي تهم منطقتنا أو ما يطرح على الرأي العام في الولايات المتحدة، على اختلاف بينهما كما هو معروف.

يتكلم الزائرون عادة عن انطباعاتهم عند زيارة المملكة عن التفاوت الكبير بين ما يرونه في الواقع وما يسمعونه في وسائل الإعلام لديهم. فإذا تناول الإعلام الغربي المملكة، تجده يتناوله بنمطية مقولبة، مكرساً مبدأ تسليع الأخبار لخدمة الإثارة وتعزيز الأفكار المسبقة. كان لقاء ولي العهد موفقاً في كسر النمطية التي اعتادها المشاهد لإيصال الصورة الحقيقية المعبرة عن رؤيتنا لأنفسنا والآخرين. شعب محب للسلام، وقيادة واعية بمسؤوليتها تجاه شعبها والعالم. إذا كان ثمة ما ينقصنا في تعزيز هذا الخطاب هو المزيد منه، فقد أصبح الإعلام منتجاً استهلاكياً، وعلينا أن ننتج الجديد وأن نعيد ما أنتج سابقاً وبطرق مختلفة. لا شك عندي أن اللقاء حقق الهدف منه حيث كانت رسالته واضحة: وطن طموح، مجتمع حيوي، واقتصاد مزدهر.